قال عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس الرباط، إن الإنسان المغربي “تحوّل إلى كائن تفاوضي … يتفاوض مع الأزمة والفقر”.
جاء ذلك في مداخلة له ضمن ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي، تحدث فيها عن موضوع “المرأة القروية والإسهام التنموي: عنف التمثلات واستراتيجيات التفاوض مع الواقع”، أشار في مستهلها إلى أن المرأة المغربية القاطنة في العالم القروي تعاني من عنف مركّب، وتعيش وضعية أسوأ مقارنة بالمرأة القاطنة في الوسط الحضري.
واعتبر العطري أن الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بشأن الخصائص الاجتماعية للنساء القاطنات في العالم القروي، “تُحيل، في كثير من الأحيان، على معطيات تنموية مخجلة، إذ 58 في المئة من الفتيات والنساء القرويات اللواتي يبلغن من العمر عشر سنوات فما فوق لا يتوفرن على أي مستوى تعليمي، أي إن هناك إشكالا كبيرا في الولوج إلى التعليم”.
وأضاف: “صحيح أن الأرقام تقول بأننا وصلنا إلى تعميم التمدرس، هذه حقيقة، ولكن نسبة الهدر المدرسي ما زالت مرتفعة بشكل كبير في العالم القروي”، لافتا إلى أن نسبة النساء القرويات اللواتي يتوفرن على مستوى عال لا تتعدى 0.6 في المئة.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن التباطؤ في إحراز أي تقدم في تغيير الذهنيات، بما يفضي إلى تغيير التمثلات السلبية إزاء المرأة، مدخله الرئيس هو التمكين الاجتماعي، عن طريق التعليم، وتيسير الولوج إلى الخدمات الصحية، من أجل تجاوز إشكال ارتفاع نسبة الوفيات في صفوف الأمهات بالعالم القروي مقارنة بالمجال الحضري.
وأشار العطري إلى أن النساء القرويات يساهمن بشكل رئيسي في ضمان الأمن الغذائي للمغرب، من خلال العمل الذي يبذلنه في مجال الفلاحة، لكن أغلبهن لا يحصلن على مقابل للمجهود الذي يبذلنه، حيث إن 70 في المئة منهن لا يتلقّين أي أجر لقاء العمل الذي يقمن به، بحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
ودعا أستاذ علم الاجتماع إلى تجاوز حصر العنف المسلط على المرأة المغربية القروية في المجالات التقليدية التي تركز عليها التقارير التي تنجزها المؤسسات، “لأن العنف الذي تعيشه المرأة القروية هو عنف مركب ومتعدد الأبعاد، فهي تعاني من عنف اقتصادي، حيث تعمل ولا تحصل على أجر، وتعاني من عنف سياسي، رغم أنها في كثير من الأحيان هي الأكثر مشاركة في الانتخابات، مقارنة بالمرأة الحضرية، وهي التي تحرص على حضور الحملات الانتخابية لأسباب متعددة، بمعنى أنها تساهم في الأمن السياسي للبلد، ولكنها في كثير من الأحيان غير ممثلة في الهيئات المنتخبة ولا يسمع صوتها في المحافل”.
وأضاف أن المرأة القروية تعاني أيضا من العنف الاجتماعي، متمثلا في التمثلات والتصورات السلبية المنتشرة حتى في الإعلام، حيث تتحول إلى موضوع للسخرية وإضحاك الجمهور في الأعمال التلفزيونية التي تبث في رمضان، وتعاني من عنف ثقافي ومجالي، حيث تفيد الأرقام الرسمية بأن 30 في المئة من الساكنة القروية يبعد عنها أقرب مستوصف صحي بحوالي عشرين كيلومترا.
وقدم العطري نتائج بحث أنجزه حول استراتيجية خمس نساء قرويات يعملن في سوق أسبوعي ضواحي مدينة تمارة في “التفاوض مع الواقع”، يجمعهن قاسم الفقر وإعالة أسرهنّ، موضحا: “يمكن أن نقول إنهن يتفاوضن مع الفقر، واليوم الإنسان المغربي تحول إلى كائن تفاوضي، يتفاوض مع الأزمة ويتفاوض مع الفقر، وربما ليس لنا من خيار إلا أن نتفاوض، والتفاوض فيه دائما ربح وخسارة”.
ويقوم “التفاوض مع الواقع” الذي تنهجه النساء الخمس، يردف العطري، على مجموعة من الركائز، منها الادخار، وذلك بالاحتفاظ بجزء من أرباحهن، على قلتها، والاقتراض، إما عن طريق عملية “دارْت”، أو اللجوء إلى جمعيات القروض الصغرى، رغم الفوائد المرتفعة، والاستثمار، إما بزيادة البضاعة التي يبعْنها، أو تقديم خدمات إضافية، ثم المقايضة، عبر إعطاء سلعة معينة وأخذ مقابل عيني عنها.
وتُعتبر المقاومة من خلال “تْزيار السمطة”، أي ترشيد الإنفاق، من الأساليب التي تنهجها النساء القرويات في تفاوضهن مع الواقع، “فالمرأة المغربية تعي جيدا أن فكّ الحزام لا يتم إلا إزاء المقدس، مثلا داخل ضريح معين طلبا للأبناء، وهؤلاء النسوة يقلن إن لا خيار أمامهن سوى تزيار السمطة”، يقول العطري، لافتا إلى أنهن يقاومْن من خلال ضبط العادات الاستهلاكية، وذلك باختيار أوقات الشراء، أي حين يوشك السوق على الانفضاض حيث تنزل الأسعار.
وبينما ترى الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق النساء أن النهوض بوضعية المرأة يبدأ من تحقيق التمكين السياسي لها، يرى العطري أن حلحلة الأوضاع المرتبطة بالنساء ينبغي أن يبدأ بالتمكين الاجتماعي والاقتصادي، خاتما بالقول: “نحن في حاجة إلى ثورة ثقافية على مستوى الذهنيات، وإلى عدالة اجتماعية”.
المصدر: وكالات