أشعلت الأمطار القياسية التي هطلت بعدد من مناطق الوسط الشرقي للمملكة من جديد شرارة عملية “تيويزي” التي يُعرف بها عادة العالم القروي، حيث شرع المحليون بمختلف المناطق المتضررة في إصلاح الطرق والسواقي والأراضي الفلاحية، تعبيرا منهم على أن “الكوارث الطبيعية والأزمات المجتمعية تقتضي وضع اليد في اليد دأبا على عادات وتقاليد الأجيال”.
وكشفت عدد من المحتويات الرقمية عن إقدام المحليين بعدد من المناطق القروية على الانخراط في أوراش إصلاح مخلفات الأمطار العاصفية وتجاوز تداعياتها، سواء تعلق الأمر بمعالجة النقاط السوداء على مستوى الطرق غير المعبدة في الأساس أو إصلاح المطفيات والحقول الزراعية وفك العزلة عن الدواوير، بما يعتبر نشاطا موازيا أساسيا تصاحبه بعض التدخلات التي تقوم بها المجالس الجماعية التي توفر هي الأخرى الوسائل التي تحوزها من ناقلات وجرافات ومعدات خاصة بفك العزلة.
متحدثا حول الموضوع، قال أحمد إضْصالح، باحث في التاريخ الاجتماعي للجنوب المغربي، إن “عملية تيويزي ممارسة حضارية أمازيغية تحظى بانتشار واسع في جميع ربوع المغرب، تستمد مشروعيتها من تبني الجماعة مصالحها بنفسها في إطار تعاقدي جماعي مُلزم يجمع قيم التضامن والتآزر والتعاضد، ويتم فيه توظيف طاقات الأفراد لتحقيق مصالح هذه الجماعة ذاتيا”.
واعتبر إضْصالح، في تصريح لهسبريس، أن هذه العملية “تتخذ مظاهر شتى في اجتماع الناس وتعاونهم وتآزرهم في فترات الحصاد، أو المواسم الدينية أو الثقافية، أو عند شق الطرقات أو إصلاح قنوات الري وغيرها في الأحوال العادية؛ لكنها تبدو أكثر بروزا في أزمنة الكوارث والجوائح والأزمات”.
وتابع: “مع “زلزال الحوز” تحققت الهبة الجماعية للمغاربة تلقائيا لمساعدة إخوانهم بالمناطق المنكوبة ماديا ومعنويا، في تمظهر جليّ لقيم هذه الممارسة الحضارية، وحصل الأمر ذاته في مواجهة مُخلفات السيول الجارفة هذه الأيام ببعض دواوير إقليم طاطا؛ فرسم ذلك فسيفساء من الصور الرائعة التي يتقاسمها المغاربة والأجانب في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بكل فخر واعتزاز”.
وبيّن الباحث في التاريخ الاجتماعي أن “تيويزي في فترات الكوارث والأزمات تُذيبُ مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة وتغطي مساحات واسعة من الخصاص والاحتياج التي لا تقدر أحدث النظم القانونية على تغطيتها؛ لأنها تستمد قوتها من قيم عُرفية إنسانية أخلاقية مُلزمة تتجاوزُ ضيق الأنا نحو معالم التضحية ونكران الذات”.
من جهته، أكد السوسيولوجي فؤاد بلمير أن “الأمر مرتبط أساسا بالمسار العريق والطويل للأمة المغربية والذي أنتج لنا ثقافة مبنية على التكافل والتضامن حتى في مرحلة الأزمات والكوارث الطبيعية، بما جعلنا أمام جانب من جوانب الشخصية الذي يظهر ويَبرُز بقوة في أوقات الشدة”.
واعتبر بلمير، في تصريح لهسبريس، أن “المجتمع المغربي ظل، على امتداد التاريخ، يتحرك خلال فترات الشدة والأزمات من أجل القيام بدوره كذلك في المساعدة والتضامن مع المتضررين بشكل تلقائي من دون أي توجيه؛ فالتوجيه يكون من تلقاء نفسه وبفعل ما تفرضه الضرورة من القيام بعدد من الأعمال والممارسات التي تدخل في نطاق عملية التضامن الشعبي”.
ولفت المتحدث إلى أن “هذا يحدث بالموازاة مع وجود تحسن نوعي في تدخلات الدولة في الإغاثة والإنقاذ في الوقت المناسب والاستجابة الطارئة للطوارئ ومخلفات الكوارث الطبيعية التي تضرب مناطق بعينها، خصوصا النائية والمتموقعة بمناطق ذات تضاريس وعرة”.
وثمّن السوسيولوجي عملية “تيويزي” باعتبارها “مظهرا من مظاهر الشخصية المغربية التي تستحضر ضرورات التكاثف والدخل والتعاون، خصوصا خلال فترات الأزمات، عوضا عن الجمود وعدم التدخل نهائيا”.
المصدر: وكالات