ساهم تسجيل الأرصاد الجوية المغربية درجات حرارة قياسية في الأيام الأخيرة، بلغت 50.4 درجة مئوية في مدينة أكادير، في إعادة مشكلة “العدالة المناخية” إلى سطح النقاش؛ بحيث بدا مجددا للخبراء والفاعلين أن “البلدان الأقل تلويثا هي الأكثر تضررا من المشاكل المناخية، من حرائق الغابات والواحات والاضطرابات الموسمية وجفاف وشح في الأمطار والفيضانات، إلخ”.
ومع ارتفاع حدة “المشاكل البيئية”، فإن هوة اللاعدالة المناخية تزداد اتساعا، ما يزيد المخاوف على كوكب الأرض وعلى التدبير المستدام للثروة البيئية، ومدى قدرة المتوفر منها على الصمود لسد حاجيات الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا الوضع أطلق تنبيهات خبراء مغاربة إلى أن “الحاجة عاجلة إلى التدخل للتكيف مع هذه التغيرات، ولتطويق المخاطر الناجمة عن مذبحة المناخ الحالية”.
المذبحة مستمرة
مصطفى العيسات، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، اعتبر أن “المغرب والبلدان المجاورة يدفعان ثمن مذبحة بيئية كبرى لم يشاركا فيها، وإنما الأمر راجع إلى تغول الاقتصادات الكبرى في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند”، موضحا أن “هذه البلدان مازالت تتعنت في تنزيل توصيات مؤتمرات الأطراف، وآخرها مؤتمر شرم الشيخ بمصر السنة الماضية”.
وأكد العيسات أن “هذه التداعيات التي يعيشها المغرب اليوم، هي ضريبة لانعدام العدالة المناخية بالعالم؛ فبلدنا وإفريقيا وبعض بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية تضررت مباشرة من تغيرات مناخية إسهاماتها فيها ضئيلة بالمقارنة مع اللاعبين الكبار في انبعاثات غازات الدفيئة”، مضيفا أن “الأمين العام للأمم المتحدة كان محقا حين قال إننا تأخرنا لوضع الخيارات والحلول المناسبة في الوقت المناسب”.
وأورد المتحدث، ضمن حديث لجريدة هسبريس، أن “هذه الأخطاء التي ارتكبها النظام الدولي، خصوصا الدول الصناعية المسببة لارتفاع أكسيد الكربون، جعلتنا ندفع الثمن، خاصة أن ميزانيات التكيف جد باهظة، كما أن الدول الكبرى لم تلتزم بدعم الدول الفقيرة الأكثر تأثرا”، مشددا على أن “هذا الوضع كشف كيف أن المنتظم الدولي غير متضامن مع المنظومة البيئية العالمية، ولم يتخذ القرارات الأخلاقية والإنسانية تجاه كوكب الأرض”.
“الوصول إلى أرقام قياسية في درجة الحرارة لم يعرفها المغرب منذ 1925، كـ 49 و50 درجة، لهو مؤشر يدعو إلى القلق، لكوننا بلغنا مرحلة الغليان”، بتعبير العيسات، مضيفا أن “هذا ستكون له تداعيات من قبيل نفوق الأسماك في الضايات، وضرب التنوع البيولوجي بالواحات والمناطق الرطبة، واستنزاف الغطاء الغابوي، وكلها إشارات تدق ناقوس الخطر لصحوة ضمير الدول الاقتصادية العظمى من أجل العودة إلى التوازن، لأن الطبيعة لا ترحم”.
سعار الصناعات الكبرى
قال محمد السحايمي، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، إنه “لا يمكن نطق العدالة المناخية بدون التركيز على حقوق الإنسان، نظرا للترابط بينهما”، موضحا أن “اليوم، وفي ظل ما تشهده الأرض من تفاوت مناخي شديد القسوة وما نتابعه عبر مواقع الإعلام من خلل في موازين الطقس عبر العالم، فإن استنتاجنا البديهي هو مشهد اللاعدالة الذي يطغى بين دول الشمال والجنوب”.
وأفاد السحايمي بأن “الشمال طغى بدوله الصناعية الكبرى وساهم بشكل كبير في خلق تفرقة مناخية جعلت من دول الجنوب ضحية ديكتاتوريات صناعية عالمية، خلقت من خلال تنافسها وأنانيتها إفريقيا جديدة على أبواب التناحر نتيجة الجفاف والمجاعة، وما تشهده دول حوض النيل هو خير مثال على هذه التنازعات الإقليمية وهذه التغيرات المناخية المستحدثة”.
وفيما يخص المغرب، فـ”جفاف السنوات السبع الأخيرة الذي عشناه ومعه درجات الحرارة القياسية، يؤكد أن بلدنا نال نصيبه من هذه اللاعدالة الناجمة أساسا عن سعار الصناعات الكبرى”، يورد المتحدث، مسجلا أن “ما يجب التأكيد عليه خلال المؤتمر المناخي القادم (COP28) المنظم بدبي، هو جرأة أكبر واستحداث للقرارات المتخذة مع التأكيد على خلق محكمة مناخية دولية يمكن اللجوء إليها من طرف كل دولة ترى نفسها متضررة مناخيا”.
وتابع الباحث في المناخ والتنمية المستدامة، ضمن دردشة مع هسبريس، بأن “العالم يتطلع بالفعل إلى محكمة ملموسة نرى من خلالها محاكمات وقضايا مناخية تتوازن من خلال الحقوق المناخية بين دول العالم، وتخرج من بنايتها عدالة مرئية ومسموعة بدل شعار مستهلك جرى تدويره لعقود طويلة دون أي مفعول على مستوى الواقع: العدالة المناخية؛ هذا المفهوم يحتاج إلى إعادة البناء وفق وسائل تراعي حجم التطورات الخطيرة التي بلغها الوضع الذي لم يعد قابلا حتى للتفاوض”.
يشار إلى أن بعض الخبراء أفادوا بأن من بين أخطر التداعيات المناخية تلك التي تتعلق بارتفاع سطح البحر، ومن ثم يعتبر البعض أن المغرب مهدد بهذه المشكلة، وأن بعض مدنه الساحلية قد تتضرر، وأجزاء من الشواطئ مهددة بالاختفاء في ظرف أقل من نصف القرن القادم. وإدراكا منه لخطورة وجدية ما هو قادم، فقد اتجه المغرب نحو إنتاج الطاقات المتجددة.
المصدر: وكالات