بعد أكثر من 250 ساعة من المواكبة داخل المؤسسات السجنية، تخلّص أكثر من 250 من السجناء المعتقلين على خلفية قضايا التطرف والإرهاب من الأفكار المتطرفة التي شُحنوا بها وحرمتهم من الحرية لسنوات، بفضل برنامج “مصالحة” الذي انطلق العمل به سنة 2017 برعاية المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وبتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وشركاء آخرين.
من بين التمارين التي ينجزها المستفيدون، في الدروس الدينية، تمرين “مناظرات”، الذي يعتمد على تقنية محاكاة الخطاب المتطرف، حيث يُلقي سجين من المستفيدين من البرنامج خطابا متطرفا يحرّض على الكراهية والعنف ومعاداة الآخر، في حين يردّ السجين الثاني المشارك في المحاكاة بخطاب مفكّك للخطاب الأول، وإبطاله.
وقدّم سجينان عرضا لمحاكاة الخطاب المتطرف وتفكيكه، خلال حفل اختتام الدورة الحادية عشر من برنامج “مصالحة”، اليوم الجمعة في سجن سلا 2، حاكَيَا فيه خطابا متطرفا يرفض “الآخر”، ويرفض مبادئ حقوق الإنسان ويَعتبرها مدخلا لإشاعة الفحشاء في المجتمع.
يتحدث السجين الذي ألقى الخطاب المتطرف عن “تحالف اليهود والنصارى من أجل هدم قيَم الأمة الإسلامية، ونصر الانحلال والفجور، وإيقاد نار الفتنة في عقر دار المسلمين، تحت راية ما يسمى حقوق الإنسان”، مستدلا بالآية القرآنية (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا)، موردا أن “حقوق الإنسان تزعم تجويد الحياة وتحسينها، إلا أنها تدعو إلى الزنا، والخيانة الزوجية، واكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء، والردّة عن الإسلام”.
ويرد السجين الذي تقمص دور مفكّك الخطاب المتطرف بأن “حقوق الإنسان تُعتبر مبادئها وأفكارها العامة، المرتبطة بكرامة الإنسان، جزءا لا يتجزّأ من ديننا الحنيف، وللإسلام تجاهها نظرة خاصة، فهو يعتبرها حقوقا للبشرية، وحقوق الله أيضا، وقد خوّلها لعباده كافة، بدون تمييز”.
ويضيف: “لقد ضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها، ومن بينها حرية العقيدة”، مستدلا بالآيتين القرآنيتين: (لا إكراه في الدين)، و(ولو شاء ربك لآمَن في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.
ويعترف السجناء المستفيدون من برنامج “مصالحة” بأنه مكّنهم من التخلص من الأفكار المتطرفة التي قادتهم إلى السجن، “بعد أن فهمنا الإسلام فهما صحيحا”، كما جاء في برقية الولاء التي رفعها السجناء إلى الملك محمد السادس في اختتام الدورة الحادية عشر للبرنامج، الذي قالوا عنه إنه “مكّننا من مصالحة حقيقية مع ذواتنا وديننا ومجتمعنا، وأهّلنا لنكون مواطنين صالحين”.
وأضاف السجناء في البرقية أن برنامج “مصالحة” أهّلهم ليكونوا “مواطنين صالحين قادرين على التعايش والاندماج الإيجابي في المجتمع، وهو الأمر سيعزز اندماجنا السوسيو-اقتصادي، بعد كل ما اكتسبناه من مهارات وكفاءات ضرورية”.
وفي تصريح لهسبريس، قال أحد السجناء المدانين في قضايا التطرف والإرهاب: “استفدنا الكثير في مجال حقوق الإنسان، وفي الشق الديني، والاقتصادي، والجانب القانوني، بفضل الجهود التي بذلها المؤطرون الذين أشرفوا على تكويننا”.
وأضاف: “في السابق كانت لدينا أفكار معيّنة بسبب قلّة المعرفة والوعي، حيث تم استقطابنا من طرف أشخاص مجهولين يدّعون نصرة الإسلام والإسلام منهم براء”، مردفا: “ليس سهلا أن تكون حاملا لفكر معيّن وتتنازل عنه، ولكن تمّ ذلك بفضل كفاءة المؤطرين الذين يبنون خطابهم على أدلة قوية صحّحت فهمنا الخاطئ للقرآن والسنة”.
المصدر: وكالات