لم يكشف زلزال تركيا وجهاً مأساوياً فقط لهول الكارثة من حيث حجم الدمار والخسائر البشرية والمادية الناتجة عنه، متسبباً في تشريد الملايين بين متضرر ومصاب، فضلا عن الحصيلة الرسمية الثقيلة للوفيات التي قاربت 40 ألف شخص بكل من تركيا وسوريا (إلى حدود زوال أمس الثلاثاء)؛ بل أبان “ملحاحية اعتماد إستراتيجية خاصة بتواصل الأزمات” سواء أثناء أو بعد الكارثة.
وبينما قالت منظمة الصحة العالمية، أمس أيضا، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، إن “زلزال تركيا هو أكبر كارثة طبيعية حدثت في أوروبا خلال قرن”، أعادت هذه الظاهرة الطبيعية التي أفجعت قلوب سكان العالم أهمية تكاثف الجهود لمجابهة تقلبات الطبيعة، ولكن، أيضا، إشكالية تطبيق “تواصل الأزمات”، لاسيما أثناء وبعد وقوع الكوارث الطبيعية باعتبارها أزمات إنسانية.
وبينما تستمر عمليات الإنقاذ وتقديم المساعدات الإنسانية لأكثر من 20 مليون شخص تضرروا من كارثة الزلزال (وفق الرئيس التركي)، تابع كثير من المغاربة زلزال تركيا بغير قليلٍ من التأثر والأسى، ليس تضامناً فحسْب، بل اهتماماً –أيضا- بأوضاع المغاربة المقيمين في “بلاد الأناضول”، أو أقاربهم الذين تواجدوا هناك لحظة وقوع الهزات الأرضية في زيارات عائلية أو سياحية.
وفق آخر المعطيات الرسمية التي أوردتها سفارة المملكة المغربية في أنقرة، ليلة الإثنين–الثلاثاء، ارتفعت حصيلة الوفيات في صفوف أفراد الجالية المغربية بتركيا، إثر الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب البلاد قبل أسبوع، إلى عشرة أشخاص. فيما أوضحت السفارة أنه “تم تسجيل أربع وفيات جديدة تتعلق بسيدات مغربيات خلال هذه الكارثة”.
الوسيلة والمصدر
إلهام بوريقي، أستاذة جامعية في تخصص التواصل بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالقنيطرة، أكدت أن “التواصل على صعيد الدوائر الرسمية، لاسيما في الظرف الزمني الذي أعقَب وقوع الكارثة، بشأن الإعلان عن عدد الضحايا والمصابين المغاربة وسرعة التفاعل والتواصل بخصوص أي مستجد يخصهم، يطرح فعليا إشكاليات على الصعيد النظري وأخرى تطبيقية على المستوى العملي”.
وأضافت بوريقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الإشكاليات ترتبط بمؤشريْن أساسييْن، هما مصدر المعلومات ووسيلة نشرها وبثها وتعميمها”، لافتة إلى أن “التأخر الملاحَظ في العمليات التواصلية مردُّه إلى تعطل مسار المعلومات وجمعها، لاسيما بعد أضرار فادحة لحقت بمنشآت الاتصال وشبكات الهاتف والإنترنت”.
وأكدت خبيرة التواصل ذاتها أن “مصدر المعلومات الموثوقة الرسمية يظل في هذه الحالة هو السلطات التركية التي تطلبت منها مجهودات كبيرة لإحصاء عدد الضحايا، سواء من الوفيات أو المصابين، وسط مشاكل لوجستية جمّة مرتبطة بالبنيات التحتية”، مشيرة إلى “صعوبة تحديد الهويات لأن بعض الشهود العيان مازالوا تحت هول الصدمة”.
وبخصوص وسيلة نشر المعلومات حول الموضوع، أكدت المتحدثة ذاتها لهسبريس أن “تشخيص الوضع الآني ومدى فداحته تم في حينه بعد وقوع الكارثة”، قبل أن تستدرك: “إلا أن التحقق من المعلومات وصحتها قبل نشرها ووسائل بثها واجه مشاكل خارج إرادة السلطات سواء التركية أو المصالح الدبلوماسية المغربية هناك”.
إكراهات حاضرة
“عموماً، الفاعل الرسمي قام بأدواره المنوطة به تواصلياً من حيث استنفار مصالحه وتشكيل خلية أزمة بسفارة المغرب بأنقرة بعد حادث الزلزال المؤسف، فيما تزيد ظروف الحرب السورية تعقيد المهمة على الحدود بين البلدين”، تجمل بوريقي، مشددة على محدودية الفعل التواصلي وأثره في ظل الإكراهات الميدانية رغم أن “المصالح الدبلوماسية جهزت أرقاما هاتفية شخصية لموظفين في السفارة للتواصل مع العائلات المغربية، ولتقلي نداءات الاستعجال وفرزها”.
وأوردت أستاذة التواصل بـ “ENCG القنيطرة” أن “الحد الأدنى من الإنصات يظل مطلوبا جدا زمنَ ما بعد هذه النوعية من الأزمات”، مشددة على ضرورة حفاظ جميع الفاعلين على “خط متواصل من التواصل يهدف إلى الطمأنة وخلق قناة للإنصات والاتصال مع المعنيين وأقاربهم وباقي الجمهور”.
وخلصت المتحدثة: “رغم محدودية المؤشرات التواصلية فإن السلطات بتركيا مطالبة بتبنّي نبرة طمأنة وتضامن واهتمام مع العائلات المغربية، مع التأكيد أن التعاون مع مازال قائما لإبلاغ الجديد عن المغاربة هناك”، خاتمة بالقول: “يجب أيضا ترك الوقت للسلطات التركية التي بدأت في اختبارات ‘ADN’ للتأكد من هوية الضحايا”.
المصدر: وكالات