حسونة المصباحي، كاتب تونسي “أكثر ارتباطا بالهوامش”، اختارت دار أڭورا للنشر والتوزيع بالمغرب أن تنشر روايته الجديدة “ليلة حديقة الشتاء”، التي تأتي تتميما لعالمه الإبداعي الذي شيده منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي يصر من خلالها مرة أخرى على أن يضفي على “الرواية التونسية” نفحة الفضاء المغربي والحضور في طنجة مع الشحرور الأبيض صاحب الخبز الحافي، وغيره من الرواد.
“هناك أحداث حاسمة كثيرة في حياتي، غير أني أوجز كل هذا في أني خلقت لطرح الأسئلة، ورفض الأجوبة الجاهزة، وإعادة التشكيك في المسلمات، وفي ما هو قائم، ومسلم به. وهذه ظاهرة مهمة حاولت أن أعطيها بعدا عمليا من خلال منابر فيها يتمكن الكاتب من أن يثبت وجوده، ويكتشف طريقه. وقد كلفني عملي هذا ثمنا باهظا: عداوات، وخصومات… كما أنه أوجد لي أصدقاء أعتز بهم، وبي يعتزون”، هكذا تحدث المصباحي مكرسا رغبته في البوح المليء بالألغام.
“كاتب في المغرب”
وعن حضور “طنجيس” في متن الرواية، التي تقع في 316 صفحة من القطع المتوسط، يقول المصباحي: “ركبا الباخرة من الخوزيراس إلى طنجة. نزلا في فندق الأطلس. بعد استراحة قصيرة، تجولا في البولفار المزدحم بالمارة، ثم جلسا في مقهى باريس لشرب شاي بالنعناع. عند هبوط الليل، توجها إلى مطعم إسباني. حال دخولهما، ارتفعت يد من طاولة بعيدة تشير إليهما بالاقتراب”.
ويضيف: “حولها [الطاولة] يجلس صديقه الكاتب العاري الذي حدثها عنه كثيرا، وبإلحاح منه قرأتْ سيرته التي يروي فيها سنوات التشرد والجوع التي كابدها في طنجة بعد أن فر إليها مع عائلته خلال المجاعة الكبرى التي ضربت بلاده في الحرب الكونية الثانية. تعانقا بحرارة، وصافحته سوزان بحرارة أيضا معبرة له عن سعادتها بلقائه”.
يوسف كرماح، مدير دار أكورا للنشر والتوزيع، قال إن “اختيار نشر رواية حسونة المصباحي [ليلة حديقة الشتاء]، لم يحتج تفكيرا كبيرا، لكون هذا المبدع يعد كاتبا كبيرا من جيل الرواد ويتميز بأسلوب خاص مزج فيه تراكمات القراءة الغربية والعربية على حد سواء”، مضيفا أن “هذا الكاتب تونسي الهوية راكم العديد من التجارب الروائية مع العديد من دور النشر المتألقة”.
وأضاف كرماح، في تصريح لهسبريس، أن “نشر هذه الرواية هو إضافة لدار النشر أڭورا، وقد جاءت الفكرة خلال اللقاء مع الكاتب في موسم أصيلة الثقافي الدولي في أكتوبر المنصرم”، مسجلا أنه “بعد قراءة الرواية، تبين أنها فعلا رواية مميزة، ولا بد من نشرها والتعريف بها للقارئ المغربي، خاصة وأنها تتضمن أسماء أدباء مغاربة وتحفل بفضاءات مغربية تغني العالم الروائي والكون السردي الخاص بها”.
رواية الرمز
من الأسماء المغربية الحاضرة التي دفعت كرماح إلى “مغْربةِ” الرواية، يوجد الشحرور الأبيض محمد شكري والكاتب الكبير محمد زفزاف، كما أن الرواية تحفل بالأدباء وبما يسمى الحياة الخفية للكتاب، من قبيل عبد الوهاب البياتي، الذي يحيل إليه المصباحي بـ”الشاعر العراقي الحزين”، ومحمد شكري، الذي يؤشر عليه في الرواية بـ”الكاتب العاري”، وأدونيس الذي يرمز إليه بـ “مهيار الدمشقي”، والبشير “البشير خريف”، والفاضل “الفاضل الجزيري”، إلخ.
وتابع مدير دار أڭورا قائلا: “الرواية تطرح تحدي التعرف على العديد من الأسماء من خلال الرمز لها بمؤشرات أحداث، وهي عمل مغاير عما سبقه في المنجز الروائي للمؤلف التونسي، لأنها تعتمد على تقنية الربورتاج في التقاط المشاهد والبورتريهات حول الكتاب والفنانين. وهذا نابع من تجربة الكاتب في الصحافة. فصنو غابريال غارسيا وفارغاس روسا، صحافيا رأي، لكن رواياتهما لا تنأى عن الواقعي وعن السيري”.
وبحثا عن إعادة المصباحي إلى “الحلة المغربية” وَرَقا، حاولت الدار المغربية نشر هذا العمل السردي، لأنها، حسب كرماح، “ليست أول مرة ينشر الكاتب التونسي مفرط الحساسية في دار نشر مغربية، إذ نشر [هلوسات ترشيش] عن دار توبقال، المغرب 1995، كما نشر [الآخرون] عن منشورات الزمن، المغرب 2003، وذلك بحكم علاقته الأدبية الجيدة بالمغرب منذ الثمانينات، وبحكم زيارته للبلاد باستمرار، فقد واكب هذه الزيارات المتواترة التعرف على العديد من الكتاب المغاربة المتألقين”.
وتأتي طبعة دار أڭورا للنشر والتوزيع لرواية “ليلة حديقة الشتاء”، العامرة بالرموز، بعد شهور من صدورها عن دار نقوش عربية للنشر بتونس، وإيصالها الروائي التونسي الذي عمل على تخصيب أحداثها إلى القائمة الطويلة التي كانت مرشحة للفوز في الدورة الثامنة عشرة من جائزة الشيخ زايد للكتاب-فرع الآداب. ولذلك، ظل كرماح يصفه بأنه “كاتب مبدع عاش منافي العواصم الشقراء ولكن ظل وفيا للهامش وللبيئة التي تربى فيها”.
المصدر: وكالات