وجد خبراء في الشأن الطاقي والمناخي في احتلال المغرب المركز الثاني عالميا ضمن أكبر مستوردي الفحم الأمريكي بحجم واردات بلغ 3 ملايين طن حتى متم غشت الجاري مناسبة للفت انتباه وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة إلى “بطء الوتيرة التي يجري بها تنزيل مشاريع الطاقات المتجددة”، التي تراهن عليها المملكة لرفع حصة الطاقة النظيفة إلى 52 في المائة ضمن المزيج الطاقي بحلول سنة 2030، وفق ما تقتضيه الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية.
وسجّل الخبراء، الذين تحدثوا لهسبريس، أن المرور إلى السرعة القصوى “لتصفير نسبة الفحم الحجري ضمن المزيج الكهربائي للمغرب ضرورة ملحّة ليس فقط لتقليص الفاتورة الطاقية وإنما أيضا لتفادي الكلفة البيئية الثقيلة لعمليّات استخراج الكهرباء من هذا المصدر الأحفوري، لا سيّما أن المغرب يرفع ضمن هدف استراتيجيته الطاقية أيضا خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45,5 في المائة في أفق الأجل المذكور”.
“ثاني أكبر مستورد”
وكانت وكالة رويترز للأنباء أفادت باحتلال المغرب المركز الثاني عالميا ضمن أكبر أسواق للفحم الأمريكي، حيث استورد ما يصل إلى 3 ملايين طن من الفحم خلال الفترة الممتدة ما بين يناير وغشت 2024، خلف الهند التي تبوأت المركز الأول باستيرادها ما يصل إلى 7.3 ملايين طن خلال الفترة ذاتها.
وأوضحت الوكالة، في قصاصة اطلعت عليها هسبريس، أن المغرب هو أكبر مستورد للفحم في القارة الإفريقية؛ بالنظر إلى الاعتماد على الفحم كمصدر رئيسي في توليد الطاقة، إذ تصل نسبة مساهمته في المزيج الكهربائي إلى 64 في المائة.
ووفق القصاصة التي استندت إلى بيانات تتبع السفن الموفّرة من شركة “كبلر” المختصة في تتبع بيانات السوق، فإن المغرب إلى جانب مصر الوجهتان الأكثر جذبا بالنسبة لمصدري الفحم الأمريكيين الراغبين في الرفع من حصتهم بالسوق الإفريقية، بسبب قرب المسافة بين ميناء بالتيمور الميناء الرئيسي لتصدير الفحم بالولايات المتحدة ومحطة الشحن بالجملة بالدار البيضاء.
و”يستطيع المصدرون الأمريكيون تسليم الفحم إلى المغرب في مدة أسرع مقارنة بالمصدرين الكولومبيين والروس”، وفق المصدر ذاته الذي توقعّ أن “يبقى المغرب سوقا رئيسية للفحم الأمريكي، خصوصا أنه يستورد ما يصل إلى 750 ألف طن شهريا من الفحم الحراري”.
“بطء بتبعات”
في تعليقه على الموضوع، اعتبر المصطفى العيسات، خبير في التنمية المستدامة والمناخ، أن “نسب توظيف الفحم الحجري في توليد الطاقة بالمملكة المغربية لا تزال مرتفعة؛ ما يفسّر ببطء في تسريع وتيرة الانتقال الطاقي”، مسجّلا أن “الكهرباء الموّلد من حرق الفحم الحجري بالمحطات الحرارية يلبّي ما يصل إلى 70 في المائة من الحاجيات المغربية؛ فيما تعتمد عليه بالكامل المدن الواقعة في الشريط الساحلي بين آسفي والقنيطرة”.
وأوضح العيسات، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الارتهان إلى الفحم الحجري لتغطية الطلب الوطني من الكهرباء يدفع ضريبته سكان المناطق المحيطة بالمحطات الحرارية، حيث إن عمليّة حرق الفحم الحجري تؤدي إلى تلويث بيئة هذه المناطق بغبار أسود محمّل بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت التي تسببّ أمراض الجهاز التنفسي، عدا عن الرائحة الكريهة التي تنبعث منه”، مردفا أن “الاقتصاد بدوره يتحمّل ضريبة ثقيلة جراء استيراد الكربون، الذي يستنزف المخزون الوطني من العملة الصعبة ويرفع الفاتورة الطاقية للمملكة”.
وأكد الخبير في مجال التنمية المستدامة والمناخ “توفر الإرادة السياسية لدى المغرب من أجل تسريع الانتقال نحو الطاقات النظيفة والوصول إلى الحياد الكربوني؛ وهو ما تترجم في الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية التي رفعت هدفي رفع نسبة هذه الطاقات في المزيج الطاقي إلى 52 في المائة، والتقليص من انبعاثات الغازات الدفئية بنسبة 45,5 في المائة، بحلول سنة 2030″، مؤكدا أن “هذه الإرادة تأكدت مع التعليمات الملكية، في مجموعة من المناسبات، بضرورة تسريع مشاريع الطاقات المتجددة سواء الشمسية أو الريحية التي بوأت المغرب لأن يحتّل المركز الرابع عالميا من حيث الاستثمار في الطاقات النظيفة”.
وشدد المتحدث على “ضرورة تجاوز التعثرات الحاصلة في مشاريع الطاقة الشمسية على غرار محطة نور ورزازات 3، وفتح الباب أمام الاستثمار في محطات جديدة للطاقة الشمسية والريحية حتى يتمّ الرفع من حجم الطاقات المتجددة لأنه وحده الكفيل بتخليص الساكنة والبيئة والاقتصاد الوطني من تبعات الاعتماد على الفحم الحجري لسد الاحتياجات الوطنية من الكهرباء”.
“بعيد المنال.. ولكن”..
من جهته، قال علي شرود، باحث في الشأن الطاقي والمناخي، إن “تمكّن المغرب من تصفير نسبة الفحم الحجري ضمن مزيجه الطاقي لا يزال بعيد المنال؛ بالنظر إلى تزايد الطلب على الكهرباء في مدن كبرى تحتوي على كثافة سكانية مرتفعة ومناطق صناعية شاسعة”، مسجّلا “صعوبة استثمار الغاز الطبيعي المكتشف ببعض المناطق المغربية أو المستورد في إنتاج الطاقة بدلا من الفحم لتغطية هذا الطلب، لأنه يحتاج ميزانيات كبيرة ويستغرق وقتا طويلا”.
وأكد شرود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الاعتماد على الفحم الحجري ومختلف مصادر الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة يقف عائقا أمام طموح المغرب إلى تحقيق الانتقال الطاقي المنشود”، مؤكدا أن “نسبة مساهمة الطاقات المتجددة النظيفة ضمن المزيج الطاقي لا تزال ضعيفة؛ رغم أن المغرب قد عبّر عن إرادة قوية لتحقيق الانتقال الطاقي، تُرجمت في وضعه الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية التي تروم الوصول إلى رفع حصة الطاقات النظيفة في المزيج الطاقي إلى 52 في المائة بحلول سنة 2030، في أفق الاعتماد الكلي عليها بحلول سنة 2050، والوصول إلى الحياد الكربوني في هذه السنة”.
وشدد الباحث في الشأن الطاقي والمناخي على أن “تجاوز الارتهان إلى الفحم الحجري المكلف اقتصاديا وبيئيا وتسريع الوصول إلى الأهداف سالفة الذكر يتطلّب من الجهات الوصية إيجاد حلول للمشاكل التقنية التي أدت إلى توقف محطة نور 3 بورزازات، والرفع من الاستثمارات في الطاقات المتجددة من خلال تعميم محطات الطاقة الشمسية على مناطق الصحراء المغربية الشاسعة التي تظل مشمسة طيلة السنة، وإنجاز محطات أخرى للطاقة الريحية في أعالي جبال مناطق الأطلس الصغير والمتوسط والكبير بالنظر إلى الاتجاهات الأطلسية للرياح بهذه المناطق”.
المصدر: وكالات