بعدما نجحت في ضمّ دول إفريقية، ثم حازت توالي الإشادة من تكتلات وقوى إقليمية وعالمية، كان أبرزُها من دول مجلس التعاون الخليجي خلال انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك الأخير مع المغرب، تَسِير المبادرة الأطلسية الملكية الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي نحو تحقيق مزيد من المكاسب الجو-سياسية والاقتصادية، بكل هدوء واتّزان، حتى قبل إكمالها عامَها الأول.
تجلى ذلك بوضوح في أول موقف مُنَوّهٍ بالمبادرة قادم من دول أمريكا اللاتينية، بعدما عبرت البيرو رسميا عن إشادتها بالمبادرة الأطلسية الملكية الرامية إلى تحويل هذا الفضاء البحري-القاري إلى منطقة سلم واستقرار وتنمية، وهو الموقف الذي جاء خلال تنظيم النسخة السابعة من “آلية المشاورات السياسية” بين المملكة المغربية والبيرو في العاصمة البيروفية ليما، الأسبوع الماضي، بشكل متزامن مع تخليد الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما (منذ 27 يونيو 1964).
اللقاء شكل فرصة كذلك لتعزيز “تطابق وجهات النظر بين الرباط وليما بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية”، ما يعكس “التزام الدولتين المشترك بالسلم والاستقرار والتنمية المستدامة”، خاصة في الفضاء الأطلسي بيْن القارّي.
ولم تخطئ عيون الملاحظين والمتتبعين للشؤون الدولية تسارُعا لافتا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لدينامية المبادرة الأطلسية المغربية، بعدما جرى في واشنطن تقديمها خلال لقاء مشترك بين سفارة المغرب ومسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، فضلا عن إشادة كبيرة من طرف دول الخليج خلال اجتماع مع الوزير ناصر بوريطة.
اجتماع المشاورات السياسية المغربية-البيروفية يعد “إطارا لصياغة مشروع خارطة طريق متعددة القطاعات”، عبر وثيقة أساسية تؤكد التزام البلدين لصالح المبادرات التي سيتم تنفيذها على مستوى التعاون القطاعي خلال عام 2024، وهو ما يمكن أن يفيد في تنزيل التصور المغربي لمشاريع المبادرة القارية-الأطلسية في مجالات تنموية متعددة.
الوفد المغربي ترأسه فؤاد يزوغ، السفير المدير العام للعلاقات الثنائية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مرافقا بسفير المغرب بالبيرو، أمين الشودري، ومديرة الشؤون الأمريكية، نزهة الطاهر، فيما كان الجانب البيروفي ممثَّـلًا خلال الاجتماع بـنائب وزير الخارجية، اغناسيو هيغيراس هاريي، ومسؤولين دبلوماسيين.
دينامية تخدم المبادرة
قال عبد العالي باروكي، خبير متابع لشؤون أمريكا اللاتينية أستاذ الدراسات اللاتينية والإسبانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “إشادة دولة البيرو رسمياً بما تحمله المبادرة الأطلسية ليس تصريحاً نابعاً من فراغ، وإنما يعكس عمق تاريخ العلاقات الثنائية بين الرباط وهذه الدولة الفاعلة بقارة أمريكا الجنوبية”.
وسجل باروكي، بإيجاب، في تصريح لهسبريس، أن “الدينامية المتنامية بين الرباط وليما ترجمَتْها كثافة في العلاقات في العقدين الأخيريْن، موازاة مع رصيد متراكم لتعاون دبلوماسي مشترك بين البلدين منذ ستينات القرن الماضي”، معتبرا أنها “دينامية تجعل البيرو تهتم أكثر بالتعاون الاقتصادي على الخصوص مع المغرب في مجالات الطاقة ومجالات اقتصادية متعددة”.
الخبير في الشأن اللاتيني استحضر مؤشرا دالّاً يتعلق بأن “العلاقات المغربية-البيروفية في إطار برلمان الأنديز تبرهن عن علاقات وطيدة بفضل برلمانيين من البيرو يدافعون عن المغرب ووحدته الترابية، فضلا عن طرحه وتصوره لمبادرة الأطلسي وغرب الأطلسي”، وهو ما يخدم، بحسب الأستاذ ذاته، “هذه العلاقات المغربية-الأمريكية اللاتينية، كما أنه معطى يصبّ في مصلحة تطوير العلاقات جنوب-جنوب بين قارّتَيْ إفريقيا وأمريكا اللاتينية”.
ولفت أستاذ الدراسات اللاتينية إلى أن “المبادرة الملكية للفضاء الأطلسي ذات بُعد استراتيجي ولا يمكن إلا أن تحصُد الإشادة والمزيد من الدعم من طرف دول أمريكا اللاتينية، خاصة أن المغرب هو بوابة لهذه الدول نحو إفريقيا. وبالتالي، فإن الأهمية الاستراتيجية للمغرب تمنحُه هذه الصفة وتمنحُه هذا الامتياز”.
التعاون والتكامل
أفاد محمد عطيف، باحث مغربي في العلاقات الدولية مختص في شؤون أمريكا اللاتينية، بأن “توجه المغرب نحو أمريكا اللاتينية يبرز مكانة مهمة يحتلها الفضاء اللاتيني-الأطلسي بعد القارة الإفريقية، لأنها تتوفر على مجموعة دولٍ ذات ثقل اقتصادي، منها البيرو”.
واعتبر عطيف، في إفادات لهسبريس، أن “مبادرة الأطلسي التي انضمت إليها دول إفريقية وحصدت دعما متزايدا عالميا وعربياً، تتمتع برؤية استراتيجية وتكاملية بين القارة الإفريقية وقارة أمريكا الجنوبية”، ما يسهم في “تقارب وتعاون بين دول القارتين”، مردفا بأن “هذا ما يبدو أن دولة البيرو تفطَّنَتْ إليه مبكرا. وعلى الرغم من صعود قيادات حزبية يسارية إلى سدة الحكم في السنين الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنعْها من الإشادة بالمبادرة الأطلسية الملكية”.
وبالنظر إلى علاقات “وطيدة وقوية” بين الرباط وليما تقترب من إكمال 60 سنة، لفت الباحث ذاته إلى أن “البيرو ودول أمريكا اللاتينية تنظُر إلى المغرب كعضو فعال داخل القارة وتسعى جاهدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية معه بحكم توفره على موقع استراتيجي قريب من أوروبا وملتقى للتدفقات الاستثمارية العالمية”.
وسجل عطيف، خلال تصريحه، أن “زيارات مسؤولين مغاربة، سواء من قطاعات وزارية أو دبلوماسيين، إلى البيرو قد أتت أكْلَها المرجو منها لدفع البيرو إلى الإشادة الصريحة والاهتمام الكبير بهذه المبادرة ذات الآفاق الواعدة استراتيجيا وجيو-سياسياً في الفضاء الأطلسي بضفّتيه الإفريقية واللاتينية”.
وخلص إلى أنه “من منظور الجغرافيا السياسية، يمكن أن نفهم ونقرأ في مضامين المبادرة الأطلسية المغربية أبعادَ تجسيدِ التقارب بين القارتين الإفريقية والأمريكية الجنوبية من خلال تطوير وتحديث بنيات تحتية مشتركة مستقبلا (الموانئ)، ثم تطوير التعاون في الاقتصاد الأزرق”.
المصدر: وكالات