تابعت فعاليات اقتصادية كثيرة المقترح الذي تقدم به وفد من نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ضمن أولى جلسات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية، الثلاثاء، المتعلق برفع الحد الأدنى للأجر إلى 5000 درهم، وانقسمت الآراء بين من يعتبر “الوضعية الاقتصادية مريحة لهذه الزيادة”، ومن ينبه من “ضرب تنافسية القطاع الخاص”.
ويبدو أن مطلب “تحسين وضعية الرأسمال البشري ليستطيع المغرب بناء مجتمع للمستقبل”، وحمايته من “الاستنزاف الرأسمالي”، مازال يحتل “مكانة أساسية لبناء اقتصاد مغربي عادل ومندمج يوزع الثروة الوطنية بالتساوي على كافة المغاربة”، لدى فعاليات اقتصادية، لا سيما وأن “العديد من الشركات راكمت أموالاً طائلة على حساب اليد العاملة المغربية الرخيصة والتهرب الضريبي”.
“ضرورة اقتصادية”
إدريس الفينة، باحث في الاقتصاد رئيس مركز المستقبل للتحليلات الاستراتيجية، قال إن “هذا الاقتراح راهني، ويعبر عن الحاجة التي صارت تبرزها الظرفية الاقتصادية بالمغرب في ظل ارتفاع الأسعار”، مؤكداً أنه “ليس هناك ما يمنع من الناحية العملية أن يتم الرفع من الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 5000 درهم، لأن الأسعار تواصل الارتفاع والقدرة الشّرائية تزداد تضرراً”.
ولفت الفينة، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أنه “في المقابل، مازالت اليد العاملة المغربية رخيصة، وهو ما يتعين أن تتشجّع الحكومة للتعامل معه في إطار الدولة الاجتماعية”، مشيراً إلى “المتاعب التي يخلقها هذا الوضع الاقتصادي بالنسبة للأجير المغربي، بحيث الأغلبية الساحقة تمضي عمرها في الشغل بدون القدرة على اقتناء سيارة أو منزل، بوصفهما ضمن أقصى طموحات الطّبقة المتوسطة المغربية”.
وتفاعلاً مع سؤال هسبريس بخصوص ما أثارته “الباطرونا” سابقاً حول إمكانية “طرد” المستثمر الأجنبي إذا وصل الحد الأدنى للأجور إلى 5000 درهم، قال رئيس مركز المستقبل للتحليلات الاستراتيجية إن “المقاولة المغربية أو الأجنبية المستثمرة بالمغرب لا عذر لها اليوم”، مؤكداً أنها “تحصد أموالاً طائلة على حساب الشغيلة، والأخيرة تحتاج إلى موقف رسمي حاسم”.
واعتبر الفينة أن “الرفع من الحد الأدنى للأجور ستكون له آثار إيجابية أكثر منها سلبية، لأن الاستثمارات الخارجية لم تعد تأتي للاستثمار هنا بسبب اليد العاملة الرخيصة حصراً، بل لأن المغرب يوجد فيه مهندسون ومناخ أعمال جيد وتسهيلات للاستثمارات، إلخ”، مسجلا أن “العديد من الاستثمارات راكمت أموالاً طائلة بسبب هذا التدني الكبير في الحد الأدنى للأجور، وكذلك نتيجة التهرب الضريبي”.
“مطلب مشروع”
محمد جدري، باحث في الاقتصاد، اعتبر أن “المطلب يعد مشروعاً وراهنيا بالنظر إلى الوضعيّة العامة للخريطة السوسيو-اقتصادية للمغرب”، مستدركاً بأن “التفعيل سيكون صعباً، لكون الحكومة لا تتوفّر على الموارد الكافية للقيام بذلك، وهي مقبلة على مجموعة من الإصلاحات، كإصلاح التقاعد والإضراب”، وقال: “يمكن حاليا أن تزيد من الحد الأدنى للأجور بنحو 600 درهم كحد أقصى في القطاع العام”.
وأضاف جدري، في تصريح لهسبريس، أن “رفع الحد الأدنى إلى 5000 درهم سيكون تنزيله صعبا في القطاع الخاص، ومن الصعب أن تسير الحكومة في اتجاه الضغط على هذا القطاع”، مشيرا إلى “تأثير هذا الرفع على تنافسية المقاولة المغربية، فضلا عن الصعوبات التي يمكن أن يخلقها”، وشدد على أن “المطلب في حد ذاته مهم ولكن التفعيل يواجه صعوبات موضوعية”.
وسجل المتحدث أن “التّفاوض مع الحكومة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من الملفات النقابيّة المطروحة الحارقة، كتخفيف العبء الضريبي وإصلاح التقاعد، يعتبر أساسيا، خصوصا في ظل تضرر القدرة الشرائية للمغاربة جراء التضخم والظرفية الاقتصادية الصعبة”، لافتاً إلى “ضرورة إعادة النظر فعلاً في الحد الأدنى للأجور بما يتلاءم وهذه المرحلة”.
المصدر: وكالات