كانت حصيلة الزّيارات الميدانية التّشخيصية التي قام بها أخصائيون نفسانيون متطوّعون لفائدة التلاميذ المتضرّرين بمناطق “زلزال 8 شتنبر” غير كافية لمنح صورة دقيقة لاحقة عن “الخريطة النفسية” للأطفال، الذين عايشوا لحظة الزلزال قبل شهرين ونيف بكل “تفاصيلها المهولة”، فيما قال أخصائيون تواصلت معهم هسبريس إن منهم من يعيش “رعبا يوميا حقيقيا” حتى الآن.
ووجد العديد من الأخصائيين إمكانيّة الحديث عن “الحصيلة والنتائج” صعبة ومبكرة، لأن الصدمة كانت في بدايتها، مؤكدين أن موضوع “الصّحة النّفسية” يستدعي معالجة شاملة ومتأنّية من أجل ضمان تأقلم أفضل للتّلاميذ مع حياتهم العاديّة: حياة “ما بعد الزلزال”، والانخراط فيها بفعاليّة بعيدا عن “ذاكرة الموت والخراب”، التي كانت هي المعجم الذي يحيط بهم في حياتهم اليوميّة.
الأخصائية النفسية كنزة الناجي قالت إن أخصائيين “يعتزمون الاتجاه إلى المناطق المتضرّرة من الزلزال، على اعتبار أن أنماط تدخّل الأخصائي مختلفة، فيها الآني والفوري، أي في اليومين الأولين بعد الزلزال، وهناك ‘ما بعد الآني’، بمعنى عقب أربعة أيام وأكثر؛ لكن هناك أيضا فترة ‘ما بعد الكارثة’، أي بعد أزيد من شهر على الفاجعة”، موضحة أن “اختلاف الأنماط يعني اختلاف أشكال التدخل، حسب كل حالة على حدة”.
وأضافت الناجي، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس: “المواكبة التي نعتبرها أساسية الآن هي تلك الممتدة على المستوى البعيد والطويل، أي أن نضمن خلاء البنية النفسية للتلاميذ من شوائب الزلزال بشكل تام”، مؤكدة أن “درجة الاستمرار ميدانيا تتعلق بالتمويل، وأيضا بمدى توفر الموارد البشرية المساهمة في العملية”، وزادت: “حاليا نركز على سنة كاملة، ولاحقا يمكن مناقشة الاستمرار مع الشركاء، لكن هذا المشروع الخاص بالتنمية النفسية مهم للغاية”.
وسجلت المتحدثة ذاتها أن “الحديث اليوم عن النتائج التي أحرزها من ذهبوا للميدان مازال مبكرا، ويحتاج إلى بعض الوقت، لأن صدمة الزلزال لم تكن سببا في الهشاشة النّفسية للتلاميذ، بل كانت مُعضّداً لهشاشة سابقة: مادية وعائلية وجسدية”، مضيفة أن “الهزة فاقمت هذه الأوضاع، لهذا من الصعب تشخيص حالات التلاميذ في الفترات الأولى، وخصوصا لأن درجات التأثر تختلف، ومنها ما صارت حالة مرضية نفسية، تستدعي الاشتغال معها على المدى الطويل”.
وأشارت الأخصائية النفسية إلى أنها في إطار التمهيد أجرت زيارة ميدانية في الأيام القليلة الماضية إلى بعض المناطق المتضررة، “واتضح أن العودة مسألة ضرورية لكي يستطيع التلاميذ بالتحديد استئناف مسارهم الدراسي بلا أي مشاكل، خصوصا الذين تظهر عليهم أعراض الصدمة والقلق وغيرها من الحالات التي فرضتها قوة الفاجعة”، مسجلة أنه “سيتم تكوين الأساتذة وأيضا الأخصائيين لضمان حصيلة مرضية في النهاية”.
مصطفى أوسرار، أستاذ متخصص في علم النفس بكلية علوم التربية، وكان ضمن القافلة التضامنية للدعم النفسي لضحايا “زلزال الحوز” التي انطلقت من الكلية نفسها، قال إن “استئناف رهانات الدعم النفسي بالمناطق المتضررة مازال مطروحا ويناقش بشكل عملي وإستراتيجي بين أعضاء لجنة التدخل التابعة للكلية”، مبرزا أنه “منذ البداية تم وضع بروتوكول تدخلي من أجل تقديم الإسعافات النفسية الأولية للمواطنين الذين تضرروا نفسيا جراء تداعيات الحدث”.
وأضاف أوسرار، في تصريح لهسبريس، أن “التركيز وقتها كان ينصب على الاشتغال مع الأطفال الذين يقضون اليوم بدون أيّ نشاط”، مردفا: “الأنشطة التي كانت موجهة للأطفال تضمنت جلسات إنصات وجلسات للتّربية الفنية، إذ كان معنا أساتذة للتربية الفنية والجمالية وأخصائيون في مجال علم النفس التربوي وأخصائيون في مجال علم النفس المرضي الإكلينيكي”، واستطرد: “يعني هذا أننا كنّا فريقا متعدّد التّخصّصات؛ قضينا ثمانية أيام، وزرنا معظم المناطق المتضررة”.
وجوابا عن سؤال هسبريس هل كانت الفترة كافية للخروج بنتيجة؟ أوضح المتحدث: “خلية الدعم النفسي فكرت بالفعل في أنه لا يمكن الوقوف عند هذا الحد، لذلك بدأنا التفكير في طرق أخرى للتدخل، لأن أسبوعا واحدا لن يضمن الأفق الذي نرجوه من هذا الرهان”، وزاد: “نتدارس إمكانية الاشتغال مع مؤسسات أخرى من أجل استهداف الأطفال من جديد وتكوين أطر الدعم التربوي لضمان استمرارية هذه الخدمات في المناطق المنكوبة”.
المصدر: وكالات