اعتبر حسن رامو، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن المبادرة الملكية لربط دول الساحل بالأطلسي تمثّل تأكيدا من المغرب للروابط المشتركة وانخراطه الفعلي في تنمية الدول الإفريقية، لاسيما الأطلسية أو دول الساحل التي تعرف خصاصا ملموسا في البنيات التحتية والاستثمارات اللوجستية، بينما يسجّل المغرب، في المقابل، تقدما ملحوظا في هذا الجانب، خاصة المشاريع المهيكِلة التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمغرب (مناطق لوجستية، تثنية الطريق الوطنية رقم 1 الداخلة-تزنيت، ميناء الداخلة الأطلسي، الخ).
وأضاف رامو، وهو منسق مشروع بحث حول دور المشاريع الميهكِلة بجهة الداخلة-وادي الذهب وآفاق الاندماج الإفريقي الممول من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، أن وضع البنية التحتية للمغرب رهن إشارة عدد من الدول الإفريقية الشقيقة “يمثل ترجمة حقيقة وعملية لما عبّر عنه المغرب دوما من التزامات تنموية تجاه إفريقيا في إطار مقاربة رابح-رابح”، مذكّراً بالرؤية التنموية لإفريقيا التي عبّر عنها الملك محمد السادس في الدورة الـ29 للاتحاد الإفريقي.
وأشار إلى أنه بوضع المبادرة في سياقها الدولي، يتضح مدى تفردها وانخراطها في توجه جديد لتنمية الدول الإفريقية، “فلا يخفى على أحد مدى تنامي الاستثمارات الأجنبية (القوى الكلاسيكية وحتى القوى الصاعدة) بإفريقيا وفق مقاربة الاستغلال الفج للموارد الطبيعية دون تمكين الدول من التحكم في تثمين مواردها الطبيعية أو في توجيه اقتصاداتها نحو الجوانب ذات القيمة المضافة. وبالتالي، فإن ربط الدول الإفريقية بالبنية التحتية المغربية سيساعد هذه الدول على تقوية هامش المناورة والتفاوض مع شركائها الاقتصاديين الدوليين، وعلى تثمين أفضل لمواردها”.
وسيسمح ربط عدد من الدول الإفريقية بالاقتصاد والبنية التحتية المغربية، حسب رامو، ببعث وتقوية عدد من الاستثمارات وباستغلال أمثل للموارد الطبيعية، خاصة بالدول الداخلية التي ليست لها واجهة بحرية، منبّهاً إلى أن عددا من المشاريع بدول الساحل لم تعرف النجاح المؤمل لها أو كانت ضعيفة الجدوى الاقتصادية فقط لانعدام البنية التحتية أو غياب الربط بالموانئ للتصدير، مبرزاً أنه “من خلال المبادرة المغربية لربط دول الساحل بالواجهة الأطلسية، يمكن بعث عدد من المشاريع، خاصة في الصناعات الاستخراجية أو الفلاحية، وتعزيز تنافسيتها الاقتصادية، والمساهمة في خلق فضاء اقتصادي للتعاون الدولي في أفق الاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك، خاصة بعد انسحاب عدد من دول الساحل من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا”.
من جانب آخر، يرى الأستاذ الباحث ذاته أن مشروع الربط بين دول الساحل مع دول إفريقيا الأطلسية “يتقاطع مع أجندات ومصالح عدد من الشركاء والقوى الجهوية والدولية، خاصة مصالح القوى الأوروبية، أولا في شقها الأمني، باعتبار أن هذه الدول هي مجال انطلاق وعبور تيارات الهجرة غير الشرعية والمخدرات وتجارة البشر التي تنتهي إلى أوروبا عبر المغرب الكبير، ما يشير إلى أن البعد التنموي للمبادرة يتماشى مع الطرح المغربي لإشكالية الهجرة نحو أوروبا، وهو الطرح الذي يدعو إلى مقاربة إشكاليات الهجرة والفقر بإفريقيا بالتنمية عوض المقاربة الأمنية، كما يمكن في المدى المتوسط أن يخلق وضعا جيو-سياسيا جديدا لورقة الهجرة التي تضغط بها مجموعة من دول جنوب المتوسط على أوروبا أساسا وعلى مكانة المغرب التفاوضية مع أوروبا”.
وأضاف رامو في هذا السياق أن مبادرة إفريقيا الأطلسية “تتقاطع مع مصالح بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لتحويل مركز الثقل السياسي والاقتصادي من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، ومع مصالح حلف الناتو الأمنية والسياسية والعسكرية، ومع مصالح عدد من القوى الصاعدة كدول البريكس (البرازيل، جنوب إفريقيا، الصين، روسيا الخ)، خاصة في الشق الاقتصادي، ثم مصالح عدد من الأشقاء العرب الذين أصبح لهم دور وازن بدول الساحل والصحراء، خاصة دول الخليج”.
وتابع بأن “أكبر تحد يواجه المبادرة هو التنزيل العملي السليم على أرض الواقع، مما يحتّم تكييفها مع متغيرات الوضع الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي، ذلك أن الربط لا يمكنه أن ينحصر في البنية التحتية الحالية التي تتكون من طرق وطنية متمركزة في جنوب دول الساحل أساسا بمحاذاة شمال نيجيريا وعدد من دول خليج غينيا، ما يطرح الحاجة إلى تصور رواق (corridor) اقتصادي وتجاري بوسط أو شمال بعض دول الساحل اعتمادا على البنية التحتية المحدودة المتواجدة حاليا”.
كما أن التنزيل السليم للمبادرة، يواصل رامو، “يقتضي تكييف حجم وطبيعة البنية التحتية المغربية، خاصة في الشق المينائي واللوجستي مع طبيعة وحجم التبادل التجاري لهذه الدول التي تعتمد أساسا على منتوجات استخراجية (معدنية وطاقية) وفلاحية، وهو ما يحتم تكييف ميناء الداخلة والمناطق اللوجستية بالجهة مع حاجيات وطبيعة اقتصادات دول الساحل، فضلا عن تنويع المعابر مع موريتانيا لتشمل معبر أمكالا-مغرين، ومعبر أكونيت-شوم وأتواجيل، لتقريب المسافة بين الزويرات-أفديريك والساحل الأطلسي عبر أوسرد”.
وأكد أن “المبادرة ستكون مربحة لجميع الدول، بل ومحفزة على نوع من الاندماج الاقتصادي، ولا شك أن موريتانيا ستبقى أكبر رابح منها بالنظر إلى مساهمة الرواج التجاري في تنويع الاقتصاد وخلق فرص الشغل مع ضمان الولوج إلى البنية التحتية المغربية، إضافة إلى الانتماء إلى فضاء اقتصادي واعد قيد البناء، وهو ما سينعكس إيجابا على مكانتها جهويا”.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أنه “من المنتظر أن تعرف المبادرة تكييفات عدة مع الوضع الجيو-سياسي باتجاه توسيع الدول التي يمكنها الانخراط فيها، وربما التفكير في توسيع هذه المبادرة ذات الطبيعة الاقتصادية لتشمل مقتضيات مؤسساتية (خلق إطار مؤسساتي: حلف أو تكتل) وأمنية وسياسية وعسكرية، تعود بالنفع ليس فقط على الدول المشاركة، بل على المحيط الجهوي والأورو-متوسطي والجنوب الأطلسي”.
المصدر: وكالات