“التزامات المغرب من أجل إفريقيا تنعم بالسلام” تدفع البلد الشمال إفريقي إلى تولي رئاسة مجلس السّلم والأمن بالاتحاد الإفريقي ابتداء من أمس الخميس، طيلة شهر فبراير، وهو ما يعزّز جهود المملكة على المستوى القاري للاشتغال على جبهتين أساسيتين: تقويض الدّعاية المُكرسة لطرح الانفصال، التي هيمنت لفترة طويلة على أروقة الاتحاد، وكذلك تعزيز الفعاليّة الأمنيّة قاريا، وتجنيب المنطقة المزيد من الانفلاتات بخصوص الاستقرار.
ومنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في 30 يناير 2017 سهر البلد، وفق محللين، على تقديم “وصفة لإيجاد أجوبة جماعية للعديد من المواضيع الأمنية العالقة”، وهو ما تم تفسيره بـ”التحول البنيوي” الذي طرأ على هذه الهيئة القارية بعدما سعى المغرب إلى إصلاحها وتمكين العاملين فيها من “الدعامات الممكنة لتأمين القارة”، والخروج بـ”مواقف وقرارات ذات أبعاد عملية”، انعكست إيجابا على “خدمة القضايا الوطنية والقارية، وكذلك محاصرة الأصوات المعادية بشكل مجاني”.
“هم محلي وقاري”
عبد الحفيظ أدمينو، أكاديمي وأستاذ باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “رئاسة المغرب لهذه الآلية الإفريقية التي تصدر تقاريرها وتوصياتها إلى الاتحاد الإفريقي يرجع ليس فقط إلى رغبته في وأد الأصوات المعادية لوحدته الترابية على مستوى هذه الآلية، وإنما إلى الدور الريادي الذي تلعبه المملكة على مستوى تأمين القارة ومحاصرة مختلف أشكال النزاعات والتوترات داخلها”، وزاد: “هذه الرئاسة هي اعتراف قاري بجهود المغرب”.
ولفت أدمينو، ضمن توضيحات قدمها لهسبريس، إلى أن “المغرب حين كان غائبا عن الاتحاد الإفريقي تبين أن هذه الآليات كانت تستغل ضد مصالحه من طرف الجهات التي تعرف بدعمها للطرح الانفصالي، غير أن الرباط واصلت عملها الدبلوماسي بنوع من التعقل والصبر والعودة تدريجيّا إلى أن تمكنت من استعادة مكانتها التي كانت دائما ريادية على مستوى القارة”، مبرزاً أن “المغرب يتوخى أيضا تسخير رئاسته لهذه الآلية لمحاصرة الإرهاب بالقارة، وتكريس حكامته الأمنيّة في هذا البعد القاري”.
وأوضح المتحدث عينه أن “هذه الرئاسة لها بُعد أساسي من خلال سهر المغرب على ألا يتدخل هذا المجلس في مسار تسوية القضية الوطنية المتصلة بالصحراء المغربية، ما دام الاختصاص في هذا الجانب ينعقد بشكل حصري للأمم المتحدة ومجلس الأمن”، مردفا: “المغرب منذ حضوره في الاتحاد الإفريقي تجنّب أن تصدر هذه الآلية أي موقف أو قرار يمسّ بالوحدة التّرابية للمملكة”، ومشدداً على أن “المملكة صارت تشتغلُ على جميع الجبهات، لكونها حسمت في قضية الوحدة الترابية التي لم تعد قابلة للتفاوض”.
“محاصرة فكرية وعملية”
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، اعتبر أن “هذه الرئاسة تكرس الأدوار الريادية التي قام بها المغرب على المستوى القاري، منذ حسمه مع سياسة الكرسي الشاغر سنة 2017، وبين حضورا وازنا وصوتا مهما ومسموعا داخل أروقة الاتحاد الإفريقي بشكل عام”، مشيرا إلى أن “الجهد الإصلاحي الذي بذله المغرب منذ عضوية هذا المجلس الذي سيرأسه لا غبار عليه، وكان عنصرا أساسيا في جهود استتباب الأمن قاريا”.
وقال عبد الفتاح، في تصريحه لهسبريس، إن “هذه المؤسسة القارية كانت لفترة طويلة حصنا تمارس فيه الدعاية الانفصالية، حيث لقيت الأطروحة الخاصة بجبهة البوليساريو نوعا من الاحتضان”، مؤكدا أن “وجود المغرب ساهم في محاصرة هذه الدعاية، ليس فقط نظريّا، بل على أرض الواقع، وهو ما يبدو بوضوح في دفع العديد من البلدان الإفريقية إلى تغيير طرحها وموقفها حيال الصحراء، واتّخذها مواقف تتماشى مع التصور المغربي بوصفه جديا وذا مصداقية، خصوصاً مقترح الحكم الذاتي؛ كما قامت العديد من الدول بافتتاح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية”.
وأبرز المتحدث عينه أن “النموذج الاقتصادي المهمّ الذي صار يقدمه المغرب في أقاليمه الصحراوية منح للتوجه المغربي توهجا اعتباريا على المستوى القاري وأيضاً الدولي، ولذلك صارت العديد من الدول الإفريقية تعوّل على تقاسم أسس هذه النهضة الاقتصادية والاستفادة من خبرة المملكة على أصعدة كثيرة”، مشيراً إلى أن “المغرب استطاع فضح الأدوار المقوضة للأمن والاستقرار في القارة الإفريقية التي كانت تحاول البوليساريو لعبها بدعم من الجزائر، مثل الاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر”.
جدير بالذكر أنه غداة عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي تم انتخابه عضوا بمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لمدة عامين في الفترة الأولى التي امتدت من 2018-2020، ولاحقا لمدة ثلاثة أعوام في الفترة من 2022 -2025، ليتكون هذه المرة الثالثة التي يترأس فيها هذه الهيئة القارية. وطيلة هذه الفترة، يجمع محللون على أن المغرب أضفى نفسا إصلاحيا على هذه المنظمة التي تسهر على وقاية القارة من النزاعات.
المصدر: وكالات