خلد الأمازيغ في شمال إفريقيا، السبت، الذكرى الرابعة والأربعين لـ”الربيع الأمازيغي” أو “تافسوت إيمازيغن”، الذي انطلقت شرارته في الـ20 أبريل من العام 1980 في منطقة القبائل، بعد منع السلطات الجزائرية الكاتب والروائي مولود معمري من إلقاء محاضرة حول الشعر الأمازيغي بجامعة “تيزي وزو”، ليتحول بعدها هذا المنع إلى انتفاضة شعبية للمطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية، وصلت أصداؤها إلى المغرب وشكلت محطة فارقة في مسار نضالات الحركة الأمازيغية.
وإذا كان هذا اليوم مناسبة سنوية بالنسبة للعديد من الفعاليات الأمازيغية في المغرب لإعادة التذكير بهذا المسار وبالأشواط التي قطعتها القضية الأمازيغية في المملكة في سبيل تحقيق الاعتراف، من تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والدسترة وصولا إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية مؤدى عنها، فإنه في الوقت ذاته مناسبة لتذكير الفاعل المؤسساتي بضرورة المضي قدما في هذا المسار والانتصار للهوية الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة.
خطوات إيجابية
لحسن إدبلقاسم، المحامي والفاعل الأمازيغي، قال إن “الربيع الأمازيغي الذي انطلق في أبريل من العام 1980 بعد منع نشاط ثقافي للمناضل مولود معمري بتيزي وزو بالجزائر كان له وقع في المغرب، بل وعلى ما جرى في ما بعد من أحداث”، موضحا أن “الحركة الثقافية الأمازيغية والجمعيات الأمازيغية التي نشطت بشكل كبير بعد هذا التاريخ لعبت دورا كبيرا في تغيير العقليات في شمال إفريقيا تجاه الأمازيغية، من خلال النضال على الواجهتين السياسية والثقافية”.
وأضاف إدبلقاسم، في تصريح لهسبريس، أن “النضال الأمازيغي في المغرب وكذا في الجزائر أدى إلى الاعتراف بالهوية واللغة الأمازيغية كلغة رسمية وتحقيق العديد من المكتسبات بفضل توحيد الجمعيات والمنظمات المهتمة بالشأن الأمازيغي الجهود، ووضع إستراتيجية مشتركة بهدف الإقرار بهذه اللغة، أسوة بباقي اللغات المهيمنة في جميع المجالات”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذه الجهود أثمرت اعتماد ميثاق أكادير سنة 1991، الذي تمت بعده مراسلة كل المؤسسات والأحزاب المغربية للاستجابة للمطالب الأمازيغية، غير أنه لم يكن هناك حينها أي تجاوب، وهو ما حذا بالحركة الأمازيغية إلى توجيه وفد لحضور المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا سنة 1993 لطرح هذه المطالب؛ وكانت مبادرة ناجحة بامتياز، خاصة أن الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم تضامنت مع مطالب الحركة”.
وأوضح الفاعل الأمازيغي أن “تدويل مطالب الحركة دفع بالدول في شمال إفريقيا، على غرار المغرب، إلى التفكير مليا في اتخاذ خطوات جدية في هذا الصدد، في ظل الضغط الذي مارسته الحركة، إذ تم اعتماد البيان الأمازيغي سنة 2000، وتأسيس منتدى الأمم المتحدة للشعوب الأصلية في نيويورك”، مشيرا إلى أن “المغرب واكب كل هذه التطورات على المستوى الدولي بخطوات إيجابية أثمرت تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمبادرة من الملك محمد السادس، ثم دسترة اللغة الأمازيغية في دستور 2011”.
وخلص إدبلقاسم إلى أن “الحركة الأمازيغية تمكنت من نزع الاعتراف بالهوية واللغة الأمازيغيتين والتنصيص عليها دستوريا رغم عرقلة الحكومات المتعاقبة اعتماد القوانين التنظيمية”، داعيا الحكومة والأحزاب السياسية إلى “اتخاذ المزيد من الخطوات في اتجاه تعزيز وجود الأمازيغية في التعليم والإدارة والقضاء على التمييز الذي مازال يطالها”.
انتظارات إضافية
عبد الله بوشطارت، كاتب وباحث في الثقافة الأمازيغية، قال إن “تافسوت إيمازيغن تمثل بالنسبة لنا داخل الحركة الأمازيغية ذكرى انطلاق الشرارة الأولى للوعي والضمير الأمازيغي”، مسجلا أن “تاريخ 20 أبريل يمثل ذكرى عظيمة في تاريخ الأمازيغ، لأنه يجسد صحوة العقل الأمازيغي الذي كسر القيود والأغلال، وانتفض ضد كل أشكال الاستغلال والهيمنة”، ومشيرا إلى أن “انتفاضة الربيع الأمازيغي كانت لها نتائج وانعكاسات في المغرب بظهور جمعيات ثقافية وكتابات وجرائد تهتم بالأمازيغية، ولو أنها جوبهت بالمنع والرفض في الوهلة الأولى إلا أنها بصمت على انطلاقة فعلية للفعل النضالي الأمازيغي”.
وتابع بوشطارت بأن “مؤشرات الانفتاح النسبي لم تظهر إلا في بداية التسعينيات بعد ميثاق أگادير الذي اعتبر بمثابة الأرضية المشتركة التي جمعت المطالب التاريخية للحركة الأمازيغية، إذ حدثت بعدها طفرة في الدينامية الجمعوية الأمازيغية بظهور جمعيات جديدة في كل مناطق المغرب، توجت بتأسيس التنسيق الوطني ثم الكونغريس العالمي الأمازيغي وتقديم مطالب أمازيغية للإصلاح الدستوري سنة 1996″، وزاد: “كما عرف عقد التسعينيات تحولات كثيرة في مسار التنظيمات الأمازيغية والنضال عبر تأسيس الإطارات والجرائد وانتشار الوعي في صفوف الطلاب”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “ما حققته الحركة الأمازيغية في السنوات العشرين الماضية يعد في الحقيقة معجزة سياسية، فجل المطالب اللغوية والثقافية تم تحقيقها، أولها الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، ثم إدماجها في التعليم سنة 2003، وإدماجها في الإعلام سنة 2010، ثم الترسيم الدستوري سنة 2011، وصولا إلى إقرار السنة الأمازيغية كعيد وطني ويوم عطلة سنة 2023”.
وأورد المتحدث ذاته: “جل المطالب التاريخية تم الوصول إليها وتحقيقها، لكن نحن حاليا كحركة أمازيغية نرى أنه توجد إكراهات بنيوية تعرقل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في جميع القطاعات، إذ يُلاحظ بطء كبير في التنزيل وجمود واضح في مسلسل إدماج الأمازيغية في مؤسسات الدولة، كالتعليم والإعلام والقضاء والثقافة والإدارة، مع قلة الاعتمادات المالية وانعدام حصة الأمازيغية في ميزانية الدولة؛ ولذلك ندعو إلى ضرورة تسريع تنزيل وتفعيل الدستور ومضامين القانون التنظيمي الخاص بذلك، وتوفير رؤية وإستراتيجية واضحة ودقيقة باعتمادات مالية قارة لتفعيل دسترة الأمازيغية أفقيا وعموديا داخل الدولة والمجتمع”.
المصدر: وكالات