خلصت الدورة الرابعة لـ”اللجنة الوطنية للاستثمارات”، المحدثة بموجب ميثاق الاستثمار الجديد الذي دخل حيز التطبيق في مارس 2023 تنفيذا للتوجيهات الملكية، إلى المصادقة على 4 مشاريع اتفاقيات وملحق اتفاقية واحد، بقيمة إجمالية قدرها 36,4 مليار درهم. ومن المرتقب أن تسهم هذه المشاريع في دينامية خلق أكثر من 14500 “منصب شغل مباشر وغير مباشر”.
صفة “الطابع الاستراتيجي” مُنحت لـ5 مشاريع جديدة، تنتمي لقطاع “التنقل الكهربائي”، وكذا إنتاج المعدات المتعلقة بالطاقات المتجددة. في وقت حاز قطاعَا “الصناعات الكيميائية/شبه الكيميائية والتعدين” صدارة المشاريع الاستثمارية التي تمت المصادقة عليها، بنسبتيْ 60% و38% (على التوالي) من إجمالي المبالغ المعتمدة لهذه المشاريع، في حين تشمل باقي القطاعات كلّاً من صناعة السيارات والتعليم العالي.
يعد قطاع الصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية القطاع الرئيسي فيما يخص عدد مناصب الشغل المرتقب إحداثها بفضل المشاريع التي تمت الموافقة عليها في إطار اللجنة، بأكثر من 9600 منصب شغل مباشر وغير مباشر، أي أكثر من 67% من إجمالي فرص الشغل. يليه قطاع “التعدين” بما يفوق 30%، ثم “صناعة السيارات” بحوالي 2,5%.
ورغم ضخامة غلافها المالي وقطاعاتها الواعدة، إلا أن هذه المشاريع تسائل مدى انعكاس أثرها على سوق العمل والشغل بالمغرب، بعدما بصمت سنة 2023 على نسبة بطالة “غير مسبوقة”.
“أثر إيجابي منتظر”
عبد الرزاق الهيري، محلل اقتصادي أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة محمد بن عبد الله بفاس سجل أن هذه المشاريع “تندرج ضمن حزمة ثانية من المشاريع الاستثمارية التي صادقت عليها لجنة الاستثمار الوطنية في أقل من شهر”، معتبرا ذلك “عاملاً جيدا وإيجابيا في تحفيز وتشجيع العملية الاستثمارية في المغرب نظرا لكونها تمثل رافعة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق مناصب شغل”.
وقال الهيري في تصريح لهسبريس: “لا يمكن تفويت دلالة تزامن المصادقة على المشاريع الاستثمارية المذكورة مع سياق خاص يتسم بارتفاع نسبة البطالة في 2023 مقارنة مع السنوات السابقة (وصلت 13% حسب آخر أرقام مندوبية التخطيط)”، مثيرا “سياقا ثانيا يرتبط بنسبة النمو التي يسعى المغرب لتعزيزها عبر فرضية 3.7 في المائة، وهي نسبة تبقى ضعيفة مقارنة بما سطّره النموذج التنموي أو البرنامج الحكومي”.
“طفرة نوعية للاستثمار الخاص”
وأضاف المحلل الاقتصادي ذاته أن “المغرب عازم على تحقيق طفرة نوعية في تفعيل أدوار استثمارات القطاع الخاص ليبلغ ثلثي الاستثمار الوطني، وهذه المشاريع تكرس هذا التوجُّه في أفق بلوغ أهداف الاستثمار بحلول سنة 2035″، متوقعا “آثارا إيجابية على خلق مناصب الشغل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وعلى نسبة النمو الاقتصادي”.
وأكد أستاذ الاقتصاد أن “منح صفة الطابع الاستراتيجي يتماشى مع ميثاق الاستثمار الذي تضمّن تدابير جديدة تحفيزية”، قبل أن يشدد على أن “المطلوب الآن هو أن تكون هذه الاستثمارات ذات قيمة مضافة ومردودية مرتفعة لكي يتمكن المغرب من تسريع تحقيق نموذجه التنموي وتحقيق استبدال الواردات بالإنتاج المحلي”، معتبرا أن “الإطار العام محفز، وما يلزم هو تتبع مردودية المشاريع”.
وبينما لفت إلى أن “نوعية المشاريع والقطاعات المحتضنة للمشاريع يجب أن تكون واعدة”، قال المصرح لهسبريس إن “عزم اللجنة الوطنية ظاهر لتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات استراتيجية كالسيارات والمعادن وقطاعات الاقتصاد الأخضر والصناعات الكيماوية، وهي قطاعات يفترض فيها أن تكون بمردودية مرتفعة، وبالتالي تكون قيمتها المضافة عالية ترفع تنافسية الاقتصاد، وهو ما سيعزز لا محالة دينامية التشغيل لتقليص البطالة”، فضلا على “تحفيز وتشجيع المشاريع للحصول على نتائج مرضية في المؤشرات الماكرو اقتصادية الكبرى، ومنها مناصب الشغل”.
“سياق صعب”
بدوره، لم يذهب إدريس العيساوي، خبير اقتصادي، في تقديره بعيداً عن التحليل سالف الذكر، مؤكدا أن “مناصب الشغل المعلنة من طرف اللجنة تظل معقولة ومنطقية في حدود الإمكان والمُتاح إحداثه”.
وقال العيساوي معلقاً لهسبريس: “لا يجب التقليل من قيمة المناصب غير المباشرة التي تخلقها الاستثمارات في قطاعات واعدة وثقيلة الوزن والأثر”، داعياً إلى استحضار “الظرفية الصعبة المتأثرة بسنوات الجفاف وندرة المياه واستمرار التضخم”.
ولم يفت المتحدث أن يشير إلى أن “أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول البطالة تعبّر عن واقع إحصائي محض لمعدلات النشاط والشغل بشكل عام”، لأنها، في تقديره، “يصعب ربطها بالمشاريع الاستثمارية الاستراتيجية المصادق عليها”.
“إسهام محدود الأثر”
في رأي نقيض، ذهب منير الغزوي، خبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى التنويه بدينامية “اجتماعات اللجنة الوطنية للاستثمارات في دورتها الرابعة بشكل يُنزّل ميثاق الاستثمار الجديد”، قبل أن يؤكد أنه “رغم أن هذه المشاريع تعد استراتيجية ومهمة لإنعاش الاستثمار بالمملكة في قطاعات استراتيجية وأساسية، غير أن الملاحظ هو أنها ستخلق فقط 1900 منصب شغل مباشر من أصل 14500”.
وفي إفادات تحليلية لهسبريس، اعتبر الغزوي أن ذلك “لن يساهم بالشيء الكثير في المجهود الوطني لخلق مناصب الشغل، خاصة وأن الأرقام والمؤشرات التي جاءت بها المندوبية السامية للتخطيط كشفت بوضوح-على الخصوص-تأثر ذلك سلباً بسبب انعكاسات فترة الجفاف التي يعرفها المغرب، وانعكاسات التضخم الذي أصبح ذا مظهر وطابع بنيوي غير خاف”.
“الظرفية الاقتصادية الراهنة بالمغرب وكل ما سبق يستدعي من اللجنة الوطنية التركيز على القطاعات ذات الأولوية والاستراتيجية فعلياً”، يشدد الخبير الاقتصادي ذاته، قبل أن يختم مستدركاً: “لكن كذلك على أهمية فرص الشغل المحدثة ومدى مساهمتها في امتصاص البطالة”.
المصدر: وكالات