بشكل سنوي وطيلة شهر رمضان تشهد عدد من المدن والقرى المغربية تنظيم دوريات لكرة القدم تتنافس خلالها مجموعة من الفرق التي تحمل أسماء أحياء ودواوير معينة، تنظمها جمعيات رياضية وفعاليات مدنية مهتمة بالساحرة المستديرة. وتشهد مباريات هذه الدوريات تنافسا كبيرا بين الفرق المشاركة للظفر بلقب الدوري، كما تعرف حضورا جماهيريا مهما، خاصة أنها تنظم في الغالب قبل موعد الإفطار أو خلال الفترة الليلية.
وساهمت هذه الدوريات، التي يحمل بعضها أسماء لاعبين قدماء طبعوا التاريخ الكروي لهذا الحي أو ذاك، في بروز العديد من اللاعبين والأطر الرياضية التي نقشت أسماءها في تاريخ كرة القدم الوطنية، فيما يرى مهتمون أن هذه الفضاءات، بالإضافة إلى كونها متنفسا للشباب ومجالا لإبراز قدراتهم وإذكاء روح العمل الجماعي، تحتاج في المقابل بعضا من الاهتمام، خاصة من جانب الفرق والأندية، باعتبارها خزانا للمواهب الكروية.
في هذا الصدد قال عبد المجيد الخال، لاعب سابق ومحلل رياضي، إن “الدوريات الرمضانية التي تنضم على مستوى الأحياء، خاصة في المدن الكبرى للمملكة، كانت تعد فضاء لتفريخ واكتشاف المواهب، إذ إن عدد من اللاعبين المغاربية الذين لعبوا لصالح المنتخب الوطني لمختلف الأعمار وكذا الأندية الوطنية كانت بداياتهم الأولى انطلاقا من دوريات الأحياء”.
وأضاف الخال في تصريح لهسبريس أن “الواقع تغير اليوم مع ظهور الأكاديميات والجمعيات الرياضية التي تحتضن المواهب الكروية، إذ باتت بديلا لهذه الفضاءات التقليدية؛ فلم تكن إمكانيات الأسر المغربية وكذا الثقافة السائدة في السابق تسمح للأبناء بالانخراط في الأكاديميات والجمعيات المهتمة على قلتها، وبالتالي فإن هذه الدوريات كانت بالنسبة لهم فرصة لإبراز مواهبهم وعرضها على أنظار المنقبين عنها، رغبة في الاحتراف وتطوير الأداء الكروي”.
وتبعا لذلك، أكد المتحدث ذاته أن “الدوريات الرمضانية ودوريات الأحياء أضحت اليوم متنفسا للشباب والصبيان للترويح عن النفس وإمتاع الجمهور الذي يحضر بقوة لمتابعة هذه المنافسات، حيث يحضر التنافس الشديد بين الفرق المشاركة، خاصة فرق الأحياء التي يسعى كل منها إلى حمل لقب الدوري وتشريف هذا الحي أو ذاك، مع لذلك من آثار إيجابية في تقوية روح الفريق والعمل الجماعي والحفاظ أيضا على اللياقة البدنية”.
وخلص المحلل الرياضي ذاته إلى أن “هذه الدوريات تحمل في طياتها رمزية كبيرة، إذ إن بعضها تحمل أسماء لاعبين ونجوم مغاربة قدماء، تكريما لهم ولما قدموه لكرة القدم الوطنية”، مشيرا إلى أن “المطلوب من الأندية المغربية هو الاهتمام بهذه التظاهرات من خلال تخصيص لجان لتتبع مبارياتها وفرقها ولاعبيها، خاصة الفتيان منهم والبراعم، من أجل إعطائهم فرصا أكبر للظهور والاحتراف في الفرق المغربية، ولما لا العالمية”.
وتفاعلا مع الموضوع ذاته أورد مهدي كسوة، إطار وطني ومحلل رياضي، أن “رمضان كان دائما فرصة لتنظيم دوريات رمضانية كبادرة من طرف الأشخاص الذين لديهم اهتمام لمنح فرص للشباب، الذين يربّون في قلوبهم حبا جنينيّا لكرة القدم”، مشيرا إلى “دور هذه الدوريات في تمتين العديد من المواهب الكروية التي صارت الآن نجوماً لامعة، سواء على مستوى البطولة الوطنية أو من حيث الاحتراف في الدوريات الأوروبية”.
ولم يفوت كسوة أن يؤكد على “أهمية الدوريات الرمضانية أو دوريات الأحياء الشعبية في إبراز المواهب التي لم تستطع أن تكشف بسرعة عن علو كعبها للمنقبين والباحثين عن أقدام ساحرة تحسن مداعبة الكرة لتكون ضمن تشكيلات فرقهم”، مضيفا: “لهذا أحبّذ الاستثمار أكثر في هذه الدوريات وتطويرها، لأنه لا يجب نسيان أن هذه المرحلة تقدم لنا لاعبين بجاهزية معتبرة، يحتاجون فقط إلى تأهيل وإدماج في المنظومة الكروية”.
كما أوضح الفاعل في المجال الرياضي أن “كل مدينة يمكن أن نستخرج منها نحو 10 لاعبين على الأقل، كل رمضان، ويمكنهم، بالتالي، الاحتراف دوليا أو اللعب ضمن أندية وطنية ذات تجربة كبيرة في رياضة الجلد المدور أو ضمن المنتخب الوطني”، مشيرا إلى “المساحة الكبيرة التي تمنحها هذه الدوريات للاعبين للتنافس من أجل إبراز مؤهلاتهم ومهاراتهم الكروية أمام جماهير غفيرة تستمتع بمتابعة هذه الدوريات قبل الإفطار أو بعد صلاة العشاء”.
وهو يتحدث عن البنية التحتية وجاهزية الملاعب في المدن الكبرى والمتوسطة والصغيرة، لفت كسوة إلى “قطع المغرب أشواطا مهمة على مستوى تطوير البنية التحتية وتكثيف تجربة ملاعب القرب، فعددها يكشف عن أرضية لتنظيم هذه الدوريات، سواء من طرف جمعيات أو من طرف أفراد”، داعيا الفرق الوطنية إلى الانخراط في هذا المسار، وأن “تنظم في ملاعبها دوريات من هذا القبيل، لكونها تمثل فرصة سانحة لاكتشاف لاعبين من طراز فريد لا تسلط عليهم الأضواء وتظل مواهبهم وإمكاناتهم حبيسة الأحياء الشعبية وداخل سياجات ملاعب القرب”.
المصدر: وكالات