اعتبر تحليل للباحث في الدراسات السياسية والدولية بوسلهام عيسات أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء المظفرة حمل بعدا من الأبعاد المؤسسة لمقاربة استباقية للأمن البحري، وفق المنظور الذي ينسجم مع المجهودات الدولية والإقليمية، يشكل مرجعية أساسية بنفس استشرافي إستراتيجي وقائي لصَد مهددات الأمن البحري التي يمكن أن تؤثر على المنطقة في أفق 2050 بالواجهة الأطلسية، وذلك في سياق المبادرة الملكية الهادفة إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
ويرى الباحث أن الأمن البحري يشكّل أحد المواضيع الهامة التي أصبحت تحظى بنقاش كبير في المجتمع الدولي، عبر السعي إلى حماية الملاحة البحرية وحفظ الأمن، وتنزيل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومواجهة الأنشطة غير القانونية (كالقرصنة-والهجوم المسلح…) التي تهدد سلامة الملاحة واحترام المبادئ الدولية.
واعتبر المتحدث ضمن التحليل ذاته أن “الأمن البحري الإستراتيجي لا يتأسس فقط على بناء سياسة للدول الساحلية، بل يتعلق الأمر بإدماج الدول غير الساحلية ووضع البنيات التحتية البحرية رهن إشارتها وفق شروط وأهداف محددة، وهي رؤية شمولية الأبعاد ومتكاملة في أركانها لكونها لا تقتصر على مواجهة المخاطر الأمامية (الساحلية)، بقدر ما تأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحيطة بها، والقادمة من دول أخرى غير ساحلية معرضة لعدم الاستقرار بسبب نشاط المجموعات الإرهابية والجماعات الانفصالية، مع السعي إلى مواجهة الفوارق الاجتماعية وخلق فرص لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة الفقر والهشاشة بغية خلق بيئة مقاومة تركز على تنمية الإنسان والمجال، بدل التوجه نحو الأنشطة الإجرامية والإرهابية”.
واستحضر التحليل ذاته ثلاث إشارات وصفها الباحث بـ”المهمة” لاستشراف مهددات الأمن البحري الأطلسي، “أولها إشارة الملك محمد السادس إلى الاستقرار والمصداقية ودورها في تحقيق الرخاء الاقتصادي للشعوب والأمم بإفريقيا، ثم الإشارة والتذكير بالرهانات والتحديات التي تواجه الدول الإفريقية؛ فيما الإشارة الثالثة تهم المشاريع والطموحات المشتركة التي تجمع الدول الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي من جهة، فضلا عن استحضار التحديات المشتركة التي ترتبط بالاستقرار والأمن”.
ويأتي اهتمام عيسات بهذا الموضوع لكونه “صار يحظى في الآونة الأخيرة براهنية كبيرة، فهو من المواضيع الهامة والانشغالات التي أصبحت تفرض نفسها في الساحة الدولية، باعتباره مفهوما جامعا ينزع إلى مختلف تدخلات الفاعل العمومي في النشاط المرتبط بالمجال البحري، كما يتأسس على حماية أمن المواطنين وتعزيز أمن المجال البحري داخل نسق متعدد الأبعاد يعود بالنفع على جميع الدول، عبر المواءمة وتحقيق التوازن بين إدارة المخاطر واستغلال الفرص لتأمين المجال البحري، وكذا مختلف الأنشطة التي ترتبط به”.
وعدّد بوسلهام عيسات، في حديث لهسبريس، عدة أهداف للأمن البحري، من بينها “تعزيز الأمن الدولي في المجال البحري قصد إعمال المعايير البحرية الدولية وتنمية قدرات الدول في مجال حكامة البحار، وحماية المجالات البحرية الخاضعة للولاية القضائية الوطنية، وأمن المواطنات والمواطنين، وكذا حماية الاقتصاد الوطني من خلال دعم سلامة وأمن الموانئ والمنشآت البحرية والسفن المدنية والتجارية التابعة للدولة الأم”.
وفي اتجاه آخر، يضيف الباحث ذاته، يهدف الأمن البحري إلى “الحفاظ على أمن التجارة البحرية الدولية وطرق نقل الطاقة في المناطق الولائية الوطنية والمحيط الإقليمي والدولي، فضلا عن حماية الموارد البحرية الحية وغير الحية من الأنشطة غير القانونية؛ كالجريمة المنظمة والإرهاب البحري والسطو المسلح والقرصنة (…)”.
وخلص الباحث في الدراسات السياسية والدولية إلى أن مفهوم الأمن البحري “يقوم على خمس مهام إستراتيجية تتجسد في: الفهم الذي يمكن من معرفة الوسط البحري وتحديد ما يرتبط به من تهديدات وفرص وتقييم مخاطره، والتأثير الذي يتجسد في التعاون متعدد الأطراف لتنفيذ القواعد المعيارية، وكذا الحماية التي تأتي في المقام الثالث، وتتجلى في معالجة المشاكل من مصادرها بدل التفاعل معها عند حدوثها، والوقاية التي تتوخى تقليل كل ما يهدد مبدأ حرية الملاحة الدولية، ثم التأسيس على خيار الرد عبر تحديد مختلف الأنشطة التي يتوقع أنها غير قانونية ومن شأنها تهديد الأمن البحري، عبر مواجهتها بإعمال القواعد والمعايير القانونية الموحدة داخل نسق قانوني وطني وإقليمي ودولي منسجم”.
المصدر: وكالات