خلافات “حادة” يتمخض داخلها النقاش بين الفعاليات الحقوقية النسائية من جهة والتنظيمات المدنية المدافعة عن الأزواج من جهة أخرى، لاسيما في ما يخص العديد من النقاط الحساسة التي تتم في “الفضاء الأسري المغلق”؛ ومنها مثلا مشكلة “الاغتصاب الزوجي”، الذي تعتبر الحركة الحقوقية النسائية أنه “شر لا بد من تجريمه” في الوقت الذي تدفع الجهات المناوئة بأن “المعاشرة واجب على المرأة وفق تعاليم الدين الإسلامي”.
في هذا الصدد، قال محمد ماج، فاعل جمعوي نشيط في مجال الدفاع عن حقوق الأزواج، إن “الدعوات الرامية إلى تجريم ما يسمى بالاغتصاب الزوجي هي دعوات عاطفية ومحدودة، نظرا لصعوبة الولوج إلى فضاء خاص بين زوجين”، موضحا أن “المرجعية التي ننطلق منها هي الدين الإسلامي. ومن ثمّ، عقيدتنا أقرت بأن المعاشرة الزوجية حق للزوج وواجب على الزوجة؛ وبالتالي هذه ليست جريمة”.
وأوضح ماج، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الدين رفع الحرج عن الزوجة المنهكة أو المريضة، والزوج الذي يحاول أن يكره زوجته على المعاشرة هو من يكون آثما في هذه الحالات”، مسجلا أن “الزوجة التي تستغل هذا الحق للابتزاز أو ترفض بشكل مزاجي تعنتا، هي بدورها لا بد أن تخضع للعقاب بموجب القانون نظرا لكونها آثمة في هذه الحالة، والدين أوصاها بالطاعة لزوجها”، ومضيفا أن “هذا النقاش جد معقد وملتبس”.
وأكد المتحدث ذاته، الذي يشغل أيضا نائب الكاتب العام لـ”الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الأب والأبناء”، أن “الدفاع عن المساواة يجب أن يكون حازما حتى ضد الزوجة التي تواصل ممارسة العنف ضد زوجها وتواصل استدراجه في الوقت الذي لا يريد فيه ذلك”، مبرزا أن “نداء التجريم غير ذي معنى؛ ولكن إذا خُضنا هذا النقاش من زاويتنا، فهكذا سنرى الأمر، إذا سلمنا بأن المساواة يجب ألا نسوقها على أنها في صالح المرأة، لكون المسألة مركبة وتتداخل فيها مختلف أطراف الزواج”.
وأفاد ماج، ضمن حديثه، بأن “المجتمع المغربي يبقى مسلما، ولا حرج في الانفتاح على تجارب أخرى في أي نقاش مجتمعي؛ لكن لا بد من أن نحافظ على هويتنا في تنوعها وغناها واختلافها، وألا نسمح لأي رياح تخريبية بأن تقوم باجتثاث قيمنا الدينية الوطنية”، مؤكدا أن “الوساطة الأسرية في هذا الموضوع يجب أن تكون من اختصاص أخصائي نفسي وجنسي وليس القضاء؛ لأن نداء التجريم يمكن أن يكون وسيلة للتنكيل بالزوج أو ابتزازه أو الإضرار بحقوقه، مثلما حدث في ملفات الحضانة وغيرها”.
من جانبها، وصفت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، “استمرار هذا التفكير، الذي يعود إلى القرون القديمة”، بـ”المؤسف”، موضحة أن “المناداة الحقوقية بتجريم الاغتصاب الزوجي لا تتعامل مع الموضوع في شقه السطحي الظاهر؛ بل مع بناء ماضوي صلب يغفو في تصور الذكورية للعلاقة الحميمية”، مؤكدة أن “التصور الخاطئ والنكوصي للمعاشرة الزوجية يمنح المقدمة لتعابير مثل “الوطء” و”الهيمنة”، و”التجبر”، إلخ”.
وأشارت موحيا، في تصريحها لجريدة هسبريس، إلى أن “العلاقة الحميمية بين الأزواج لا بد أن تقوم على التفاهم وعلى الرغبة، وليس على الإكراه أو اعتبار إرادة المرأة شيء ثانوي ولا يعتد به من طرف الزوج”، مشددة على أن “التفكير القضائي كان بدوره يكرس هذه التصورات التي لم يعد لها مكان في عصرنا، زمن القرن الحادي والعشرين؛ من قبيل أن نعثر على عبارة “وهي ما زالت في حوزته” في الأحكام القضائية أو في المحاضر”.
وأكدت المتحدثة عينها أن “الاغتصاب الزوجي مرفوض من الجانبين ولا نعتبره في التنظيمات النسائية شيئا حكرا على الزوجة، والرغبة في إدراج هذه المغالطة هي سعي مبطن إلى تعويم النقاش”، مسجلة أن “الجمعيات النسوية ظلت ترفض الاغتصاب الزوجي” لما له من خطورة على العلاقة الزوجية وعلى الصحة النفسية للنساء، خصوصا حين يكون مبنيا على العنف والسادية والمفهوم الخاطئ للعلاقة الحميمية”.
وأجملت موضحة: “الرهان، اليوم، قبل المرور إلى التجريم، يتعين أن نقوم بجهود كبيرة لتفكيك هذا التصور الذي ينبني عليه الجنس بين الأزواج في عقولنا”، مؤكدة أن “الذكورية كانت بارعة دائما في استدعاء الفقه الديني حين يكون في خدمة مصالحها وإدامة ذلك “التفوق التراثي”.. لكن النقاش اليوم لا يمكن اعتباره حربا جندرية؛ بل هي مجرد إضاءات لكي تتضح الصورة، ولكي نستطيع أن نتصالح مع أنفسنا ومستقبلنا”.
المصدر: وكالات