شكلت حملة السلطات بالدار البيضاء لهدم محلات العرافات والسحرة فرصة لإطلاق نداءات على المستوى الوطني للتصدي لهذه الظاهرة، التي خفت الحديث عنها، والتي تنتشر بشكل مكثف أساسا في المناطق النائية والمدن الصغيرة، بشكل ساهم في تشكيل صور نمطية خاطئة بأن “المغرب أرض السحر”.
هذه الحملة التي بدأت في “كازابلانكا” وتراهن فعاليات كثيرة على نقلها إلى مدن ومناطق أخرى، من شأنها محاصرة هذه “المشكلة الاجتماعية”، وبالتالي مواصلة جهود حثيثة لتهشيم “كليشهات” منتعشة وحية يعاد تدويرها وإنتاجها حول المغرب في تصور الآخر الكائن في المشرق بالتحديد؛ فغض السلطة الطرف عن “حوانيت الشعوذة” منحها “الحق” في تكثيف عملية “التغذية الذاتية” انطلاقا من جهل بعض المواطنين.
“نسف التشهير”
سعيد ناشيد، باحث في الفكر الفلسفي، اختار أن يعالج الموضوع من زاوية فكرية، معتبرا أن “تشديد الخناق أمنيا على الشعوذة أمر مطلوب لكي نعيد ترتيب هذا الموضوع خارج التصورات القديمة”، مؤكدا أن “السحر مشكلة فكرية ومفهومية، كانت لها تداعيات صحية خطيرة على العديد من المتضررين منها”.
وأوضح ناشيد، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تكسير الصور الوقحة التي تشكلت عنا يستطيع تدبير هذا الملف أمنيا أن يتكلف بها”، مشددا على أن “بعض الممارسات المغربية لا تدخل في هذا الإطار، مثل التصوف والتبرك بالأولياء، ولكن تقديم هذا الموضوع في حلة شعوذة ساهم في تشكيل بنية مفهومية خاطئة عن المغرب”.
وأبرز المتحدث أن “التشهير بالمجتمع المغربي كان كبيرا، يتعين أن يتوقف هذا المد المتعلق بالممارسات القديمة والبائدة التي تقتات من علاقة الإنسان بالغيب”، مشيرا إلى أن “الإنسان المغربي صار أكثر ابتعادا عن هذه الأفكار بحكم التحولات التي يشهدها المجتمع، ودخول النمط الحداثي على الخط ليزاحم الفكر التقليداني الذي كان مرتبطا بهذا الموضوع”.
وأورد المصرح لهسبريس أن “موضوع السحر يحتاج إلى تأهيل مدني للمصطلحات المرتبطة به ووضع خطة جديدة لكي نغير نظرتنا إليه بشكل يجعله موضوعا غير ذي معنى، لكونه في الأصل كذلك”، لافتا إلى أن “الأمن الروحي مسألة جد هامة يتعين على السلطة حمايتها، لكون الجهات المختصة تعرف جيدا أماكن انتشار الشعوذة، وبالتالي ليس صعبا القضاء عليها”.
“مقاربة محدودة”
زكرياء أكضيض، باحث في علم الاجتماع، قال إن “المقاربة الأمنية للحد من الشعوذة ضرورية، ولكنها محدودة، لكون المعتقدات المرتبطة بالاطمئنان للسحر مستشرية داخل أعماق المجتمع المغربي”، مشيرا إلى أن “تجفيف منابع هذه المعتقدات من الناحية الفكرية أمر ضروري أيضا، لأن المعتقدات تشتغل خارج تقديرات العقلانية، والعقل لا قول له في هذا الموضوع”.
ولفت أكضيض، في تصريح لهسبريس، إلى أن “الشعوذة تتجاوز منطق رجل الدولة، لكونها معتقدات تتمتع بخاصية الاعتبارية، بوصفها أشياء متجذرة في الوعي الجمعي للمغاربة”، مؤكدا أن “السحر ليس مهمة محض مغربية مثلما يشاع، والقضاء على هذه الصورة صار أمرا ممكنا بالنظر إلى ما يحققه المغرب من مكاسب أخرى على المستوى الإقليمي”.
وختم الباحث في السوسيولوجيا بأن “هذه الممارسات منتشرة في كل المجتمعات، بما فيها تلك التي تدعي أنها متقدمة، والمغرب يحاول أن يقدم صورة مخالفة للفكرة الخاطئة التي جرى تشكيلها بتواطؤ إعلامي”، خالصا إلى أن “التوجه لإنهاء الشعوذة صعب ميدانيا لكونها راسخة خارج أي منطق ممكن، ولكن الراجح هو تحجيم الهالة التي لحقت بها”.
المصدر: وكالات