بعد النقاش الذي برز في سنة 2010 الذي انصب حول مدى ملاءمة حرف تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية، ودعوة بعض الأطراف إلى إعادة النظر في هذه المسألة بداعي أن التلميذ المغربي يتعلم بثلاثة حروف (العربي، تيفيناغ، اللاتيني)، أظهرت نتائج دراسة حديثة قدمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن حرف تيفيناغ لا يشكل أي عائق أمام تعلم التلاميذ اللغة الأمازيغية.
وأكدت نتائج الدراسة التي قدمها مصطفى الصغير، باحث بمركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن تعلم القراءة والكتابة في اللغة الأمازيغية بتوظيف حرف تيفيناغ، “لا يشكل أية صعوبات بيداغوجية، خاصة بالنسبة للمتعلمين بمستوى السنة الثانية من التعليم الابتدائي”.
واستهدفت الدراسة التي تم تقديمها خلال ندوة نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أمس الجمعة، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى 21 للاعتراف بتيفيناغ حرفا رسميا لكتابة اللغة الأمازيغية، عينة من تلاميذ وتلميذات نهاية السنة الثانية من التعليم الابتدائي في أوساط حضرية وقروية وشبه حضرية، وناطقين وغير ناطقين بالأمازيغية توفر لهم الحد الأدنى من الشروط لتعلم اللغة الأمازيغية، تتكون من 1100 تلميذة وتلميذ.
وانصبّت أهداف الدراسة، في ما يتعلق بالقراءة، حول تشخيص مدى تمكّن المتعلم من التعرف على حرف تيفيناغ بمختلف أشكاله الهندسية كحرف منفصل، والتعرف على الحرف ضمن الكلمات، والتعرف على الكلمات والجمل، وفهم المقروء والدلالات التي يتضمنها المكتوب باللغة الأمازيغية.
في الشق المتعلق بالكتابة، هدفت الدراسة إلى تشخيص تمكن التلاميذ من نقل الحروف ورسمها بمختلف أحجامها وأشكالها الهندسية مع التقيد بالكتابة على السطر ومراعاة المقاييس المطلوبة، والتمكن من النقل الصحيح للكلمات واحترام المعايير السابقة، والتمكن من النقل الصحيح للجمل مع احترام البياضات والفراغات الضرورية، والتمكن من كفاية التعبير الكتابي من خلال إنتاج جمل صحيحة مبنى ومعنى.
وخلُصت الدراسة في ما يخص كفاية القراءة، إلى أن “كل مكونات مهارة القراءة متحكم فيها” لدى التلاميذ الذين شملتهم الدراسة.
وتفيد النتائج الإجمالية للدراسة الخاصة بمكون القراءة بأن المعدل المتوسط بلغ 19.48 نقطة، وبلغ الحد الأقصى 22، في حين إن الحد الأدنى كان 0، وهو ما يعني “أن حرف تيفيناغ لا يطرح إشكالا بالنسبة للتلاميذ للقراءة”، بحسب الباحث الصغير.
وبالنسبة للصعوبات التي تم تسجيلها على مستوى بعض المهارات، فهي “مرتبطة أساسا بتعلم اللغة، خاصة على مستوى التعبير الكتابي، وهذا يؤكد أن حرف تيفيناغ ليس مشكلا”، يؤكد الباحث مصطفى الصغير.
ولفت المتحدث إلى إنجاز دراسات تقويمية لها انعكاسات على المستوى البيداغوجي، وذلك من أجل اتخاذ قرارات مدعمة بمعطيات علمية موثوق منها.
وأردف بأن الدراسة التي قدمها ستساهم في ضبط التعلمات لدى التلاميذ فيما يخص توظيف حرف تيفيناغ لإنماء كفاياتهم القرائية والكتابية.
وبخصوص انعكاسات الدراسة على مستوى النقاش السياسي والاجتماعي، اعتبر الصغير أن الدراسة تستهدف “إعادة النظر في الآراء المتداولة لدى بعض الفاعلين حول أبجدية تيفيناغ”، و”إعادة النظر في التمثلات حول حرف تيفيناغ غير المدعمة بحجج علمية”.
وتعليقا على النقاش الذي كان محورُه مدى ملاءمة حرف تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية، ومطالبة البعض باعتماد الحرف العربي لكتابتها، اعتبر الصغير أن “الحجج التي عضد بها أصحاب هذا المطلب موقفهم كانت ذا طابع سياسي وإيديولوجي، وليست علمية”، على حد تعبيره.
وأضاف أن حرف تيفيناغ “ليس فقط شفرة تقنية ملائمة لكتابة اللغة الأمازيغية، كما تأكد من خلال الدراسة، بل حاملا لبُعد هوياتي ولتاريخ وثقافة الأمازيغية”.
وتأتي الدراسة الجديدة بعد ما سبق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، خلال الموسم الدراسي 2009-2010، أن أنجز بتعاون مع ستّ أكاديميات جهوية للتربية والتكوين دراسة تشخيصية لمعرفة درجة تمكّن المتعلمين من القراءة والكتابة.
واعتبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن حرف تيفيناغ بالمغرب شهد منعطفا مهما منذ أن وافق الملك محمد السادس، بتاريخ 10 فبراير 2003، على الرأي الاستشاري الذي رفعه إليه مجلس إدارة المعهد بشأن اعتماد الحرف المذكور حرفا رسميا لكتابة اللغة الأمازيغية، موردا أن التاريخ الذي وافق فيه الملك على اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية، “يكتسي رمزية عميقة”.
المصدر: وكالات