أكدت دراسة حديثة الصدور أن الدور المهم للملك محمد السادس في توجيه ورسم حدود الإصلاح فيما يتعلق بالقوانين التي تهم المجتمع المغربي، خصوصا تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأسرة، يرتبط أساسا بصفته المركبة الدينية والسياسية.
الدراسة الصادرة ضمن العدد 66 من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والعلوم الإنسانية”، أبرزت تعلق التشريع الأسري بالمؤسسة الملكية المغربية، وذلك من منطلق أن “ارتباط الملك محمد السادس بالحسم في موضوع مدونة الأسرة يعود أساسا إلى كون هذه الأخيرة تجسد التزاما دينيا نابعا من الصبغة الإسلامية للدولة، الأمر الذي يجعل العاهل المغربي، باعتباره أميرا للمؤمنين، يمثل الحامي الشرعي للنظام العام في القانون الأسري”.
وأوضحت إيمان المهاجر، مؤلفة الدراسة، أن “الملك بالمغرب كان المختص حصرا بالتشريع في القانون الأسري خلال الفترة الممتدة ما بين حصول البلاد على الاستقلال ودخول دستور سنة 1962 حيز التنفيذ، وذلك بالنظر لعدم وجود مؤسسة برلمانية وقتها، في حين إنه يتأكد كذلك عند الغوص في تفاصيل مسار القانون ذاته أن أي تطور في هذا الصدد لا يمكن أن يخرج عما لا يتوافق مع الأصول: الشريعة والملكية”.
وحاولت الدكتورة في القانون الخاص إقامة ربط بين تطور التشريع الأسري بالمملكة ومؤسسة إمارة المؤمنين، موردة أن “لقب أمير المؤمنين يمنح الحق للعاهل المغربي محمد السادس في فرض مراجعة مدونة الأسرة أسوة بما قام به محمد الخامس سنة 1957/1958 والحسن الثاني سنة 1993، وما قام به انطلاقا من منصبه سنة 2003 عندما تم الانتقال إلى مدونة الأسرة عوض مدونة الأحوال الشخصية”.
وبيّنت الأكاديمية ذاتها بخصوص مدونة الأسرة، ضمن الوثيقة المعنونة بـ”الخطاب الملكي بين مرجعيات إصلاح المدونة وآفاق التعديل”، أنه “نكون حيال تداخل بين الصفة السياسية للملك ونظيرتها الدينية، حيث أن كل خروج عن الثوابت الدينية ضمن المدونة يعد بمثابة مساس بمكانة إمارة المؤمنين ودورها المركزي الذي يرتبط أساسا بشرعية الحكم القائمة على الاعتبار التاريخي”.
كما لفتت إلى أن “من بين أهم نقاط تنظير مؤسسة إمارة المؤمنين فيما يخص التشريع المتصل بالقانون الأسري، الخطب الملكية، حيث تكون الحكومة والبرلمان ملزمين بتجسيد القوة الاقتراحية والتوجيهية لما جاء على مستوى هذه الخطب، وذلك من خلال مشاريع ومقترحات قوانين تروم الاستجابة لمضامين التوجيهات الملكية في هذا الصدد”.
الوثيقة نفسها رصدت أن “الخطب الملكية لا تخلو من التأكيد على محورية البعد الديني للمملكة في كل هيكلة مرتقبة للنظام القانوني الأسري المغربي مع التشبث بالانفتاح على ما تقتضي روح العصر والالتزام بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، فضلا عن الإشارة إلى إعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام”.
ووقف المصدر بشكل مطول عند خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2022، الذي أشار فيه الملك إلى وجوب إعادة النظر في مدونة الأسرة والعمل على إصلاح مكامن النقص فيها وتحيين مضامينها بشكل يجعلها متوازية مع متطلبات الحياة الوطنية والدولية، لكن في حدود عدم تحريم الحلال وتحليل الحرام.
وأشارت الدراسة إلى أن “الخطاب الملكي المذكور يظل إيجابيا بخصوص تحكيم مقاصد الشريعة بوصفها أهم مدخل لإجازة النص القانوني وتنزيله والتوسع في الفهم المقاصدي بشأن كل القضايا التي تتعلق بالنظام العام والتي لم يثبت في حقها حكم قرآني قاطع وصريح”.
وخلصت إيمان المهاجر في دراستها إلى أن “دعوة العاهل المغربي الأطراف المعنية من أجل التعبئة لاعتماد الاجتهاد الفقهي لتطوير نصوص المدونة وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية، يظل سعيا نحو توافقات أكبر بين نصوص الشريعة والواقع المجتمعي من جهة، والقانون الاتفاقي الدولي الذي انخرط فيه المغرب من جهة أخرى، لم تكن اعتباطية، بل كان الهدف من ورائها التنظير لفتح آفاق جديدة للاجتهاد لم تعتمد سابق، تسمح بالأخذ بأقرب الاجتهادات إلى الواقع المجتمعي الدولي”.
المصدر: وكالات