أكدت دراسة منشورة ضمن عدد شهر يناير من مجلة “ليكسوس” أن “نشأة النزاع حول الصحراء في السبعينيات تزامنت مع متغيرات جهوية ودولية تميزت بالانتشار الكبير للشعارات التحريرية المستندة إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحصول العديد من الدول الإفريقية والآسيوية على استقلالها تطبيقًا لهذا المبدأ”، مضيفة أن “هذا الأمر جعل العديد من هذه الدول تنظر إلى هذا النزاع على أنه صراع بين دولة توسعية ذات توجه غربي وشعب مضطهد يخوض معركته من أجل الحصول على استقلاله. وانطلاقًا من هذه القراءة، كانت العديد من الدول تبني موقفها من هذا النزاع”.
وأشارت الدراسة، التي أعدها الباحث عبد العزيز أيت قشى والتي عنونها بـ”سياسة المغرب الإفريقية وتأثيرها على موقف الدول الإفريقية من نزاع الصحراء المغربية.. دراسة تاريخية تقييمية”، إلى أن “تمكن البوليساريو من إيصال صوتها إلى إفريقيا في المراحل الأولى لم يكن ليتحقق دون الدعم الكبير والمباشر من النظامين الجزائري والليبي”، مبرزة أن “هذا المعطى ليس ثابتًا باستمرار؛ لأن العلاقات الدولية تتغير بتغير الظروف والمحددات، وهو ما سيحدث مع بداية التسعينيات حينما تغيرت هذه المعطيات، فتغيرت على غرارها مواقف الدول الإفريقية من هذا النزاع”.
وتابعت الوثيقة ذاتها أن هذا الأمر “أفقد جبهة البوليساريو المساندة الكبيرة داخل العواصم الإفريقية، وأعطى بالمقابل فرصة للدبلوماسية المغربية لتجاوز سلبيات المرحلة الأولى عبر تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية وتحفيزها على تغيير موقفها من هذا النزاع”.
وفي معرض استعراضها لمسار تطور العلاقات المغربية الإفريقية، أبرز الباحث عبد العزيز أيت قشى أن “المغرب أعلن، منذ السنوات الأولى للاستقلال، عن موقفه الرسمي تجاه إفريقيا، إذ لم يدخر جهدًا في سبيل تجديد وإحياء علاقاته معها من خلال مساندته ودعمه لحركات التحرير الوطني في العديد من البلدان الإفريقية”، مضيفًا أن “قضية الوحدة الترابية للمملكة خيمت على هذه العلاقات وكانت المحدد الرئيسي لصناعة السياسة الخارجية للمغرب تجاه القارة السمراء طيلة المراحل التي أعقبت فترة الاستقلال”.
وأبرز معد الدراسة أن “المغرب اختار عقب الاستقلال تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول الإفريقية التقدمية؛ وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول طبيعة توجهه، خصوصًا أن المغرب دولة معتدلة ومرشحة للقرب أكثر من الدول الإفريقية المحافظة التي يتقاسم معها هذه الخصوصية في ظل الانقسام الإيديولوجي الذي كانت تعاني منه إفريقيا عقب مرحلة الاستقلال”.
وبيّن الباحث عينه أن مواقف الدول الإفريقية التقدمية التي تقرب منها المغرب تتميز بالحدة تجاه الدول الاستعمارية، حيث كانت تطالب بدعم الحركات التحررية التي كانت لا تزال تناضل من أجل الحصول على الاستقلال، وتدعو إلى محاربة كل أشكال الإمبريالية الاستعمارية وتعزيز العلاقات الإفريقية السوفياتية. وقد كان الرئيس الغاني كوامي نكروما والرئيس الكونغولي باتريس لومومبا أبرز زعماء هذا التيار”.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن المغرب ترجم توجهه الثوري خلال هذه المرحلة عبر مجموعة من المبادرات السياسية والعسكرية؛ من ضمنها تدخله العسكري تحت إشراف أممي في الكونغو بطلب من لومومبا من أجل مواجهة حركة “موريس تشومبي” الانفصالية، لافتًا أيضًا إلى مساهمة المغرب في تأسيس مجموعة الدار البيضاء في يناير 1961 كإطار سياسي لعدد من الدول الإفريقية التقدمية لتنسيق وتوحيد مواقفها تجاه الأزمات الدولية والجهوية، ولتعزيز التعاون بينها لتحقيق الوحدة الإفريقية.
وأوضحت الدراسة ذاتها أن المغرب، وخاصة بعد استقلال موريتانيا، ظل “بعيدًا عن البناء الإفريقي خلال هذه المرحلة، حيث كانت مشاركته في مؤتمرات القمة الإفريقية تتم وفق تمثيل ضعيف… هذا التوجه الجديد في تعامل المغرب مع منظمة الوحدة الإفريقية يفسر أحيانًا بسيطرة الجزائر المبكرة على أجهزة هذه المنظمة القارية”، مشيرة إلى أن “المغرب أيقن بعد فترة الفتور في العلاقات المغربية الإفريقية أهمية مواقف الدول الإفريقية في دعم الطرح المغربي لقضية الصحراء.. وبالتالي سعى إلى كسب تأييد هذه الدول؛ الأمر الذي استدعى منه تغيير سياساته الخارجية من أجل التقرب من هذه الدول”.
وأكد الباحث عبد العزيز أيت قشى أن “إحجام المغرب عن إدراج المحدد السياسي كشرط لربط علاقاته مع شركائه من الدول الإفريقية ساهم في انفتاحه على عدد كبير منها”، مشيرا إلى عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي في سنة 2017 في انتظار تمكنها من نزع عضوية الكيان الوهمي في قادم السنوات، على هامش تزايد وتيرة تجميد الاعترافات به وفتح كثير من الدول لقنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمغرب.
وخلصت الوثيقة إلى أن “خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 شكل نهاية لمرحلة سلبية في علاقات الرباط مع إفريقيا، وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون للتغيرات التي أدخلها المغرب على سياساته الإفريقية منذ ذلك الحين دورها في الدفع بالدول إلى مراجعة موقفها من نزاع الصحراء”، مبرزة أن “تحرر المغرب من العائق السياسي الذي كان يعتبره المحدد الوحيد مكنه من الانفتاح على العديد من الدول الإفريقية والتي بذل فيها مجهودات كبيرة لتكثيف مسلسل التعاون… الشيء الذي دفع بالعديد من هذه الدول إلى إعادة النظر في نزاع الصحراء واتخاذ قرارات صائبة في غالبها لفائدة الوحدة الترابية للمملكة”.
المصدر: وكالات