خلصت دراسة أكاديمية حديثة الصدور إلى أنه بقدر ما كانت السياسة الخارجية للمملكة المغربية ساعية للعودة إلى الحضن الأفريقي بقدر ما انفتحت على دول شرق القارة، وهو ما تجلى في زيارات مكوكية للملك محمد السادس تُوّجت بسلسلة من اتفاقيات التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية.
وأوضحت الدراسة المنشورة في العدد الخامس والثلاثين من مجلة “قراءات علمية في الأبحاث والدراسات القانونية والاقتصادية والعلوم الإنسانية” أن هذه الاتفاقيات تهم مكافحة الفقر والأمراض والزراعات والصناعات الغذائية والصيد التقليدي والتربية وتدبير المياه والري، إضافة إلى البنى الأساسية والتهيئة الحضرية وتكنولوجيا الاتصال.
كما كشفت أن التوجه المغربي نحو الشرق الأفريقي يأتي موازاة مع وجود هذه الرقعة الجغرافية محط رهانات استراتيجية دولية متعددة، وتنافس دولي محتدم بين قوى دولية صاعدة كالصين وتركيا وإيران وأوروبا وفرنسا وكذلك الولايات المتحدة واليابان.
وأبرزت أن المغرب في إطار تجويد علاقته بدول الشرق الأفريقي ارتكز على أربعة مرتكزات، بداية بالمرتكز السياسي، والمرتكز الأمني، مرورا بالمرتكز الديني وانتهاء بنظيره الاجتماعي.
وحسب المرجع ذاته، حاولت الرباط تطبيق سياسة جنوب- جنوب بما يساعدها على إحداث اختراق داخل البلدان التي تساند الجبهة الانفصالية للبوليساريو.
أبعد من ذلك، سعى المغرب، يضيف المرجع نفسه، إلى التسويق لتجربته في محاربة الإرهاب والتطرف، بحكم أن الجماعات المسلحة تمثل ظاهرة بارزة في منطقة شمال أفريقيا، من خلال فتح مدارسه وأكاديمياته العسكرية أمام المتدربين من الضباط الأفارقة، وتعزيز تداريبهم، موازاة مع محاولته تسويق نموذجه في محاربة الإرهاب ونجاعة أجهزته الأمنية والاستخباراتية في مكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود.
وركز مؤلف الدراسة على كيفية اعتماد زيارات الملك محمد السادس لدول شرق أفريقيا على الجانب الروحي والديني، خصوصا خلال زيارته لرواندا وتنزانيا وإثيوبيا، لافتا إلى أن للمغرب في الأساس علاقات دينية وطيدة بالمنطقة، خصوصا عبر الطرق الصوفية، موازاة مع كونه من المساهمين في نشر الإسلام والمذهب المالكي في مناطق جنوب الصحراء.
كما أبرز أن الزيارات الملكية لدول الشرق الأفريقي كزامبيا ورواندا وإثيوبيا وتنزانيا مكنت من دعم المملكة كمنارة روحية، على اعتبار أن المحدد الروحي يشكل أحد دعامات المغرب في علاقته بكثير من الدول بالقارة لما له من دور محوري في دعم تماسك الشعوب جيوسياسيا وحضاريا.
المرجع نفسه ذكّر بكون الملك محمد السادس سبق له أن أعطى انطلاقة بناء مسجد بدار السلام التنزانية استجابة لطلب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتنزانيا والعضو المؤسس لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وهو ما ينطبق كذلك على مدغشقر.
وبخصوص المرتكز الاجتماعي، أشارت الدراسة الأكاديمية إلى أن الزيارات الملكية للشرق الأفريقي عادة ما تصاحبها مبادرات ذات صبغة إنسانية تتمثل في مشاريع تمولها مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة، بما فيها مستشفيات، كما جرى بمدغشقر. يوازي ذلك محاولة تكريس البعد التضامني مع هذه الدول عبر إقامة مستشفيات عسكرية ميدانية، والتضامن مع الحكومات المحلية في الأزمات الصحية والإنسانية.
وخلص مؤلِّفُ الدراسة في الأخير إلى أنه للرفع من فعالية كل هذه العمليات ينبغي على المغرب إعادة رسم السياسة الأفريقية، والتأكيد عل استهداف دول الشرق الأفريقي بشكل مستمر، وجعل الدينامية دائمة وليست مرحلية، والتعامل بشكل حذر وعقلاني مع التحديات المطروحة هناك جغرافيا وثقافيا.
المصدر: وكالات