من الصعب توقع التأثيرات المستقبلية لحدود المغرب الشرقية على اقتصاد المملكة، إلا أن المجهودات الرامية إلى دمج هذه المناطق ستؤدي حتما إلى الحد من هذه التأثيرات، بعدما باتت اليوم أكثر ارتباطا بالمراكز الاقتصادية الكبرى في البلاد؛ وكذا بسلاسل التوريد العالمية.
كانت هذه، أبرز الخلاصات التي توصلت إليه دراسة نشرها “مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط”، بعنوان “مواجهة تهميش الأطراف: كيف سعى المغرب لدمج مناطقه الحدودية الشرقية”. وقد أكدت أن الحكومة المغربية سعت، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى الحد من اعتماد مناطقها الحدود الشرقية على التجارة عبر الحدود مع الجزائر.
وتمحورت جهود الدولة المغربية حول ربط المناطق الحدودية الشرقية “النائية سابقا” بالمراكز الاقتصادية للبلاد، كالدار البيضاء والرباط وطنجة، وتزويد سكان هذه المناطق بالوسائل اللازمة لتوليد الإيرادات على المستوى المحلي، وتضيف الدراسة، أن التوترات المتنامية على الحدود الجزائرية المغربية، خلال العامين الماضيين، دفعت في اتجاه دمج هذه المناطق الحدودية في الاقتصاد الوطني.
الدراسة ذاتها، لفتت إلى أن الحكومات المغربية المتعاقبة أظهرت وعيا كبيرا تجاه الحاجات الاقتصادية للمناطق الشرقية، كما أشارت إلى إطلاق المبادرة الملكية لتنمية الجهة الشرقية في العام 2003، التي هدفت إلى “دمج الجهة الشرقية المهملة في الاقتصاد الوطني، وقد أدى تأثير تفشي وباء كورونا على الوضع المعيشي للساكنة إلى التسريع من هذه العملية”، تضيف الدراسة.
وتجسيدا لهذه المبادرة الملكية، فقد تم إطلاق عدد من المشاريع الكبرى، كمطار وجدة أنجاد، وخطوط السكة الحديدية التي تربط الأجزاء الجنوبية من الجهة الشرقية بمناطق أخرى شمال المغرب، إضافة إلى طريق سريع بين وجدة والناظور، بكلفة إجمالية بلغت 10 مليارات دولار. كما أشارت الدراسة إلى إعلان شركة “أبتيف” المتخصصة في تكنولوجيا السيارات استثمار 30 مليون دولار لبناء مصنع ضخم لـ”كابلات السيارات” في وجدة.
كما لفتت الدراسة الانتباه إلى مشروع ميناء “الناظور غرب المتوسط” المزمع الانتهاء من ورش إقامته خلال السنة المقبلة، بقدرة تخزين ما بين 1 و2 مليون متر مكعب من المنتجات البترولية، مضيفة أن جدية هذا المشروع دفعت المؤسسات المانحة إلى الاستثمار فيه، حيث استثمرت مجموعة البنك الإفريقي للتنمية حوالي 120 مليون دولار، إضافة إلى قرض من البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية بقيمة 106 ملايين دولار.
كما مكن نموذج الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي تبنته الدولة، عبر التعاونيات، السكان المحليين من تعويض الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها إغلاق الحدود المغربية الجزائرية، إذ تضم جهة الشرق، وفق أرقام الدراسة، 5517 تعاونية توظف حوالي 7960 شخصا، إضافة إلى رفع قدرة التعاونيات على تسويق منتجاتها على المستوى الوطني والدولي.
ورغم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققها المغرب في هذه المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية، إلا أن الدراسة، أبرزت وجود مجموعة من التحديات التي ما زالت تقف عائقا أمام الإدماج الشامل في منظومة الاقتصاد الوطني، تشمل الجانبين السياسي والمناخي.
على المستوى السياسي؛ يقف الوضع المتوتر مع الجزائر عائقا أمام جذب الاستثمارات الكبرى، وتعد الطاقة والسياحة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بهذا الوضع. كما توضح الدراسة نفسها أن “تعزيز التعاون والاندماج الإقليميين” سيؤدي إلى تخفيض تكاليف النقل والتجارة محليا؛ وبالتالي جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة.
أما التحدي الثاني، حسب المصدر عينه، فهو مناخي مرتبط بالتصحر وندرة المياه، إذ انخفض منسوب المياه الجوفية لنهر العرجة، من 20 إلى 50 مترا خلال العقد الماضي، فيما يتوقع أن تنخفض احتياطات هذه المياه في فجيج بنسبة 38% بحلول سنة 2099، ما يشكل خطرا على أنشطة الرعي والزراعة التي تعتمد عليها الساكنة بشكل كبير.
وقد أوصت الدراسة، التي أعدت بدعم من شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية، الممول من طرف الحكومة البريطانية، بإشراك السكان المحليين في عملية صنع القرار الاقتصادي، وتشجيع الأعمال التعاونية، إضافة إلى توجيه الأرباح التي تحققها المشاريع الكبرى بالجهة إلى الساكنة المحلية عبر إعادة استثمارها في هذه المنطقة.
المصدر: وكالات