أفادت ورقة بحثية أنّ “السياسة المغربية في مجال مكافحة المناخ ناجحة إلى حد كبير عمليا، لكنها من جانب آخر أخفقت في الحدّ من آثار تغير المناخ على قضايا الجندر، وخصوصاً النساء”؛ مشيرة إلى أنّ “ريادة المغرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تسعفه بعد لكي يصوغ تصوراً للتقليل من حدة تداعيات ارتفاع حرارة الأرض، والكوارث الناجمة عنها، على المرأة القرويّة بالتحديد”.
الدراسة، التي أعدتها الباحثة آية كميل وصدرت في نشرة “صدى”، التابعة لمؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”، أوضحت أنّ “تداعيات تغير المناخ مُتباينة بين الجنسين، ومن ثمّ لا بدّ أن تُصاغ خرائط الطّريق الراغبة في التكيف مع المناخ، على ضوء التخفيف من حدّة التداعيات البنيوية على النوع الاجتماعي”، مشيرة إلى أنّ “تهديدات المناخ المتراكمة أدّت إلى تكريس مواطن الضعف الموجودة سابقاً في المغرب، وهو ما عرّض دائماً حياة النساء في الأرياف والمداشر والقرى وسبل عيشهنّ للخطر”.
وقالت الباحثة في ورقة معنونة بـ”تغير المناخ والنوع الاجتماعي في المغرب والأردن” إنّ “الظروف المناخية السيئة ما زالت تهدد وصول المرأة إلى الخدمات الصحية في البلد الشمال إفريقيّ، خصوصاً في المناطق المعرّضة للفيضانات مثل فكيك وتندرارة وبوعرفة، وهو ما تنجم عنه تداعيات سلبية ملحوظة على صحّتهن النّفسية والعقليّة بشكل عام”.
وأوضحت أنّه “في أوائل العقد الأول من القرن الحالي كانت نسبة تعليم الإناث في المغرب في أدنى مستوياتها بشكل تاريخي، حيث اقتربت من 42 في المائة”، مسجلة أنّه “على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه على مستوى التعليم خلال العقدين الماضيين، ففي عام 2021 لا تزال المرأة المغربية متخلفة عن الرجل بنحو عشرين نقطة مئوية. ولن يؤدي تغير المناخ إلا إلى زيادة هذه التفاوتات”.
لذلك رجّحت الورقة أنّ “معدلات هدر الفتيات للدراسة سترتفع بالنظر إلى تزايد سيناريوهات الطقس القاسية”، لافتة إلى أنه “من المحتمل أيضا أن يؤثر تغير المناخ على الأدوار المنزلية للمرأة في المغرب؛ فالنساء هنّ المعيل الأساسي لنحو 15.6 في المائة من الأسر المغربية؛ وفي المناطق القروية قد يشكل تغير المناخ مخاطر إضافية على هؤلاء النّسوة المعيلات”.
وجراء ذلك تتوقع آية كامل أنّ “النساء اللائي يعتمدن بشكل كبير على سبل العيش في قطاعات متضررة من “مذبحة المناخ”، من قبيل الفلاحة، “سيتضررن بشكل كبير مع احتمال أن يفقدن آفاق كسب لقمة العيش وإعالة أسرهن في ظلّ استمرار تدهور الموارد الطبيعية الحيوية”، لافتة إلى أن “هذا الوضع بدوره يزيد من احتمالية تعرضهنّ للعنف القائم على النوع الاجتماعي وندرة الغذاء”.
ومن النقاط التي تركز عليها الباحثة أنه “دون مراعاة النوع الاجتماعي ستظل قدرة المغرب على التكيف مع تغير المناخ محدودة”، معتبرة أنّ “السياسة المغربية في هذا الصّدد تقلل من الأهمية الاستراتيجية للمساواة بين الجنسين، جزئياً، من خلال إعطاء الأولوية للتكيف مع المناخ والتخفيف من حدته على حساب منع مخاطر المناخ والحد منها. وهذه الأخيرة ضرورية للغاية كاستراتيجيات لتوطين القدرة على الصمود لدى المرأة المغربية”.
وأوضحت الورقة، في هذا السياق، أنّ “التأهب للكوارث يجب أن يراعي الآثار الممكنة على النساء، خصوصا اللائي يقطنّ في الأرياف والقرى”، مردفة أنّ “الحد من مخاطر المناخ يمكن أن يتمّ عن طريق تدخلات هادفة مثل توزيع المحاصيل المقاومة للجفاف ونقل مهاجع النساء إلى المناطق غير المهدّدة بخطر الفيضانات وغيرها؛ وهذا هو المنطق الذي يمكن أن يفكر وفقه المغرب مراعاة لهذا الوضع”.
ولم تفوّت الباحثة استدعاء “الجهود الكبيرة التي يبذلها المغرب للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال الاستثمارات الضخمة في مجال الطاقة المتجددة”، معلّقة على ذلك بأنّ “هذا الانتقال الطاقي أخفق مجدداً في احتواء قضايا النوع الاجتماعي وجعْلها في قلب هذا التحول الاقتصادي؛ ولذلك يعدّ غياب المرأة عن الاستثمار الملائم للمناخ مشكلة عالمية أوسع”.
وأضافت أنّ “أحدث التقديرات تشيرُ إلى أنّ المغرب سينفق زهاء 50 مليار دولار على برامج التخفيف من حدة المناخ و35 مليار دولار أخرى على مشاريع التكيف بحلول عام 2030″، مشيرة إلى أنّ “التصور العام لهذه المشاريع من المحتمل أن يهمّش اعتبارات النّوع الاجتماعي، والتّركيز مجدداً على نفس الأولويات الاستراتيجية القديمة، الراغبة في التخفيف من آثار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن توليد الطاقة والنقل”.
لهذا أوردت الباحثة أنّ “أهداف التّكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره التي تراعي الجندر أيضاً ستتطلب من المغرب استثماراً أعمق في شبكات الأمن الاجتماعي، ووصول النساء إلى فرص العمل الخضراء، وبرامج بناء القدرة على الصمود والحد من مخاطر المناخ”، مشيرة إلى أنّ “الطريق الذي ينتظر المملكة المغربية شاقّ بالتأكيد، ولكن بالنّظر إلى سجل المغرب القوي في التكيف مع المناخ، فإن البلد قادر على قيادة المنطقة في حملة العمل المناخي الشامل للجنسين”.
المصدر: وكالات