دراسات سوسيو-أنثروبولوجية يضمها كتاب جديد للأكاديمي المتخصص في الثقافة الحسانية محمد دحمان حول “نساء الصحراء”، صدرت حديثا ضمن سلسلة العلوم الاجتماعية عن منشورات مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال.
يبحث هذا الكتاب في المرأة والمجتمع في الساقية الحمراء ووادي الذهب، والشعر النسائي الحسّاني “التبراع” والتحولات الاجتماعية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وزمن المرأة في الصحراء “من لفريكَ إلى الدشرة”، والجسد في المخيال الصحراوي عن طريق دراسة أنثروبولوجية حول نماذج من الموروث الشعبي الحسّاني.
كما تحضر في المؤلّف دراسة سوسيو أنثروبولوجية لأسماء النساء في مجتمع البيظان، وصورة المرأة في المثل الشعبي الحسّاني، وأوضاع المرأة الصحراوية خلال سبعينات القرن العشرين في عيون الساقية الحمراء من خلال مذكرات الكاتبة الصينية صان ماو.
ويضم كتاب أستاذ الأنثروبولوجيا والثقافة الحسانية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل في القنيطرة، “مجموعة بحوث كتبت خلال عشرين سنة الأخيرة حول نساء الصحراء من خلال تحريات ميدانية حول متن من التراث الشفهي المحلي في سياق التغير الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته مناطق الساقية الحمراء ووادي الذهب طيلة العقود الماضية”، وهي دراسات يجمعها الانطلاق من “الممارسات الثقافية المحلية أو من نصوص لملاحظين أقاموا بالمنطقة، كما تستثمر التحليل السوسيو-أنثروبولوجي لاستجلاء أوضاع النساء والتمثلات السائدة حولهن ومآل ذلك في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة”.
ويوضح دحمان أن “لَعْلَيَاتْ” هو المصطلح الذي أطلقته اللغة الحسانية على النساء، ثم يسترسل شارحا: “الظاهر أن مصدره هو العلوم، وهو ما يعبر عن المكانة الخاصة التي كانت تحظى بها النساء في المجتمعات الصحراوية الناطقة بالحسانية”.
ويضيف: “إنه وضع أثار انتباه واهتمام الملاحظين منذ القديم، فإذا عدنا إلى كتابات الرحالة في القرون الوسطى نجد أن عبيد البكري وابن بطوطة الطنجي انتبها إلى مكانة النساء، فالأول قال بإن الصحراء هي أرض النساء والفقهاء، بينما الثاني استغرب لاختلاط النساء بالرجال وهو القادم من مدن الأسوار حيث الفصل بين فضاء للنساء وآخر للرجال”، وهي ملاحظات لم تقتصر على الرحالة والجغرافيين بل شملت المستكشفين الأوروبيين والباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ القرن التاسع عشر حتى الفترة المعاصرة، في وقت صمتت فيه المصادر المحلية المكتوبة عن النساء ما عدا ما يتعلق بأبواب الفقه من قضايا الإرث والطلاق والطهارة وغيرها.
رغم هذا، يذكر الكتاب أن الاهتمام العلمي والأكاديمي بالنساء لم يبدأ إلا مع ظهور الجامعات بالبلدان المغاربية، و”بروز باحثات وباحثين غربيين خلال العقود الأخيرة، لهم اهتمام بقضايا المرأة والنوع الاجتماعي والتنمية في المجتمعات الرعوية”.
في هذا الإطار، جرى استثمار التراث الثقافي غير المادي مصدرا للمعلومات حول أوضاع النساء ومكانتهن والتغيرات الاجتماعية الناجمة عن التحديث في هذه المجتمعات التي “ستعرف انقلابا في نمط عيشها بعد ظاهرة الاستعمار، وقيام الدولة القطرية، وتطبيق سياسات تنموية سيكون لها بالغ الأثر على النساء والأسرة والمجتمع”.
ويشدد دحمان على أهمية دراسة أوضاع النساء “ليس من الخارج وإنما من خلال التراث المحلي غير المادي، بما فيه إبداع النساء لكونهن مخزن الثقافة التي كانت تشحن لا وعي الطفل بالقيم والخبرات فتبني شخصيته، تعلمه النطق، وإتقان اللغة التي بها يدخل عالم الاتصالات البشري، ولاسيما في المجتمع الصحراوي حيث سيادة الثقافة الشفاهية”.
المصدر: وكالات