جذبت خطة الرئيس الأميركي جو بايدن التاريخية المرتبطة بالمناخ استثمارات في مجال الطاقة النظيفة تقدّر بمليارات الدولارات، إلا أنها أثارت التوتر مع الحلفاء، نظراً لاحتمال إعادة رسمها الواقع التجاري.
يخصص “قانون خفض التضخم” IRA الذي تم التوقيع عليه في 16 غشت من العام الماضي حوالي 370 مليار دولار لدعم الانتقال في مجال الطاقة في الولايات المتحدة، بما يشمل إعفاءات ضريبية للمركبات الكهربائية والبطاريات أميركية الصنع.
لكن الحوافز التي تعزز الصناعات الأميركية بعد سنوات من اعتماد الولايات المتحدة على التصنيع خارج أراضيها أثارت مخاوف من أنها قد تؤدي إلى سحب أعمال تجارية من بلدان أخرى.
وقال الخبير البارز في معهد بروكينغز جوشوا ملتزر: “كانت الخطوة في الواقع تجسيدا لدخول الولايات المتحدة إلى اللعبة بقوّة”، وأشار إلى أن أوروبا تدعم تطوير التكنولوجيا النظيفة منذ ما قبل إقرار قانون خفض التضخم، كما هو الحال بالنسبة للصين وغيرها.
لكن دخول واشنطن على الخط “يعني أنه ليبقى هذا الدعم تنافسيا تنبغي مواصلته أو زيادته”، وفق ما أفاد به المتحدث فرانس برس.
تداعيات غير مقصودة
لفت الباحث البارز لدى “معهد بيترسون للاقتصادات الدولية” جيفري شوت إلى أن التشريع جاء بـ”تداعيات غير مقصودة”، عبر تقييد التجارة مع أبرز حلفاء الولايات المتحدة.
وكانت إعفاءات ضريبية للمستهلكين تصل قيمتها إلى 7500 دولار لشراء مركبات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة من بين النقاط العالقة.
ويستوجب الحصول على الإعفاء كاملا أن تتضمن بطاريات المركبات نسبة من المعادن الأساسية التي يعود مصدرها إلى الولايات المتحدة، أو البلدان التي تقيم معها اتفاقيات للتجارة الحرة، ما يترك الاتحاد الأوروبي واليابان خارج الحسابات.
وأثار الأمر حفيظة هذه البلدان، فيما وسّع المسؤولون الأميركيون في نهاية المطاف الوصول إلى المساعدات المرتبطة بالمركبات النظيفة، مشيرين في مارس إلى أن الشرط المرتبط باتفاقيات التجارة الحرة يمكن أن يشمل أيضا اتفاقيات مهمة بشأن المعادن تم التفاوض عليها مؤخرا.
ويشمل ذلك اتفاقا أُبرم قبل فترة قصيرة بين اليابان والولايات المتحدة، ما يفتح الباب للحصول على مزايا من جزء من الدعم.
وقال شوت إن “جزءا من التوتر في البداية كان بسبب.. المراجعات الأخيرة لقانون خفض التضخم التي تمّت على عجل وبشكل سرّي”، وأضاف أنه بدا هناك “غياب للفهم بأن حلفاء الولايات المتحدة ليسوا جميعا شركاء لها في اتفاقيات للتجارة الحرة”، ما دفع وزارة الخزانة لبدء “محاسبة إبداعية” لتحديد كيفية تطبيق القانون.
وأوضح ملترز أن الولايات المتحدة “حاولت سريعا الاستجابة لهذه المخاوف عبر التفاوض على هذا النوع من الاتفاقيات الثنائية”، في إشارة إلى الاتفاق مع اليابان والجهود الأوروبية للتوصل إلى اتفاقيات مشابهة، وأكد أن ذلك خفف من حدة المخاوف.
شراكات وانتقال
بينما حذّرت من مخاطر حرب في مجال الدعم، ردت كندا مذاك بإدخال حوافز مشابهة لتلك الواردة في قانون خفض التضخم.
وفي أبريل، أعلنت كندا عن دعم يصل إلى 13,2 مليار دولار كندي (9,8 مليارات دولار) على مدى 10 سنوات لأول محطة بطاريات تابعة لفولكسفاغن في الخارج، ومقرها أونتاريو.
بدورها، تأمل كبرى شركات تصنيع السيارات الكورية الجنوبية “هيونداي” إنتاج سيارات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة، مؤهلة للدعم في موقع قيد التشييد في جورجيا.
وأقامت شركات كورية جنوبية غيرها شراكات مع أخرى في الولايات المتحدة لبناء خطوط تجميع تتوافق مع متطلبات قانون خفض التضخم، مثل المشروع المشترك بين “سامسونغ إس دي آي” و”جنرال موتورز” لبناء معمل لبطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
وجاء في تحليل لثلاثة خبراء اقتصاد من البنك المركزي الأوروبي في يوليوز أن “قانون خفض التضخم سيفيد الولايات المتحدة عبر إنتاج إضافي وتخفيف الاعتماد الإستراتيجي في مواجهة الصين”، وأضافوا في مقال نشره مركز أبحاث السياسة الاقتصادية: “ستحقق الولايات المتحدة مكاسب من تأثيرات الانتقال الإيجابية، ليزداد الإنتاج بنسبة ستة في المائة إلى 30 في المائة في المعدات الكهربائية والبصرية”؛ كما لفتوا إلى أن ذلك يأتي على حساب الصين وإلى حد أقل الاتحاد الأوروبي.
وبينما يرتبط الانتقال بحصة صغيرة من إجمالي الإنتاج، يمكن للخسائر في قطاعات معيّنة أن تكون أكبر.
لكن منذ التوقيع على قانون المناخ تم الإعلان عن استثمارات صناعية جديدة بقيمة 75 مليار دولار على الأقل، بحسب المحلل في مجال السياسات جاك كونيس، من معهد “إبداع الطاقة: السياسية والتكنولوجيا”.
وأفاد مركز الأبحاث الأوروبي “بروغل” في تقرير هذا العام بأن حجم حزم الدعم المنصوص عليها في قانون خفض التضخم يمكن أن يكون معادلا لتلك المتاحة في أوروبا، لكن حزم الدعم الأميركية في مجال التكنولوجيا النظيفة “أبسط وأقل تشتتا”.
ويمكن لعوامل كهذه أن تزيد جاذبية الدعم الأميركي بالنسبة للأعمال التجارية، في وقت تواجه أوروبا أيضا ارتفاعا في تكاليف الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال ملتزر: “إذا كنت في قطاع طاقة مكثّفة مثل الكيماويات.. تبدو الولايات المتحدة جذابة بشكل أكبر”، وأضاف: “برأيي إن مجموعة أوسع من العوامل هي التي تخلق تحديات مرتبطة بالتنافسية في أوروبا”، وزاد: “قانون خفض التضخم جزء منها.. لكنه ليس الوحيد”.
المصدر: وكالات