لم يكن “اللقاء السنوي لمجلس المنافسة مع وسائل الإعلام” فرصة فقط للتداول في قضايا تؤرق بال الإعلاميين المغاربة وطرحها بوضوح للنقاش مع مسؤولي سلطة المنافسة وتقنينها بالمغرب، بل تخللته عروض من خبراء دوليين استعرضوا “حالات وتجارب عملية” (Cas pratiques) عالجتها سلطات المنافسة في بلدان أخرى، وكذا التدابير المتخذة لترسيخ ثقافة المنافسة وتعزيز جسور الثقة والتعاون بين وسائل الإعلام وسلطات المنافسة.
وتابع المشاركون في اللقاء السنوي مضامين عرضَيْن مفصّليْن؛ الأول تناول موضوع “علاقات سلطات المنافسة بوسائل الإعلام: توصيات ورؤية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)”، ألقاه الخبير فريدريك جيني، رئيس لجنة المنافسة بالمنظمة ذاتها.
العرض الثاني قارب موضوع “علاقات سلطة المنافسة بوسائل الإعلام: حالات عملية”، بمساهمة وازنة من ألكسندر إدزارد إيكين، مقرر خبير في المنصات الرقمية بالمديرية العامة للمنافسة التابعة لمفوضية الاتحاد الأوروبي، وماريا شاميلو، مديرة العلاقات الدولية والتواصل في “لجنة المنافسة في اليونان”.
الخبير فريدريك جيني، رئيس لجنة المنافسة بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أوضح ضمن مداخلته “مزايا المنافسة وآثارها على الاقتصاد”، مبرزاً فكرة مفادها أن وسائط ووسائل الإعلام، على اختلاف أنواعها وحوامل نشرها، يمكنها أن تُسهم في “تعزيز المنافسة” من خلال ثلاثة أدوار.
الدور الأول يتمثل في “زيادة الوعي العام بدور السلطات المعنية بالمنافسة وإجراءاتها وفوائد مكافحة الممارسات المضادة للمنافسة”، يورد الخبير الدولي في مجال المنافسة، كما يمكن أن يساعد إبراز “مزايا البيئة التنافسية وتوضيحها بلغة يومية عامة وبسيطة” الجمهور على تحسين موقعه فيما يتعلق بأهداف سياسة المنافسة.
بالإضافة إلى ذلك، يضيف جيني، “يمكن بسهولة تفسير التأثير السلبي الذي يمكن أن تُحدِثه الممارسات المانعة للمنافسة على مستوى معيشة السكان”، لافتا إلى أنه “بهذه الطريقة، يمكن لإجراءات التوعية التي يتم تنفيذها في وسائل الإعلام أن تعطي الجمهور فكرة عما يشكل ممارسات عادلة وتخبرهم بكيفية التنديد بالانتهاكات والمطالبة بالعدالة.
وبحسب المتحدث ذاته، فإنه “في حال ما إذا سلطت وسائط الإعلام الضوء على الفوائد الناجمة عن الإجراءات التي تتخذها سلطة معنية بالمنافسة، فإن الجمهور، وكذلك العديد من أصحاب المصلحة الآخرين، سوف يفهمون دور المنافسة فهمًا أفضل”.
الدور الثاني الذي يمكن أن تسهم به وسائل ووسائط الإعلام في تعزيز المنافسة، بحسب الخبير الأوروبي عينه، هو “تأثير تشجيع المنافسة من خلال وسائل الإعلام على ممارسات أوساط الأعمال”، إذ “يمكن للحملات الإعلامية أن تستهدف مجتمع الأعمال على وجه التحديد، وتلفت الانتباه إلى قضايا مثل إساءة استخدام التركيز المُهيمن، وتكوين الكارتيلات، والعقوبات والغرامات وغيرها”، كما “يمكن لهذه الحملات أن تسلط الضوء على المخاطر التي يواجهها المخالفون لقانون المنافسة، وأن تسهم في تحسين الامتثال للقانون وتعزيز المشاركة في برامج التساهل”.
وتابع جيني بأنه “يمكن أن تؤدي أنشطة التوعية لدى المقاولات التي تُنفذ عبر وسائط الإعلام دورا هاما بصفة خاصة في البلدان النامية أو التي تمر بمرحلة انتقالية، حيث قد لا توجد بعد ثقافة منافسة حقيقية وحيث لا تتوفر لدى الشركات المعرفة القانونية أو التقنية اللازمة لاعتماد تدابير وقائية ضد الممارسات المانعة للمنافسة”.
وكمثال، قال جيني: “إذا أبرزت الإجراءات المتخذة ما يحدُث في حالة عدم الامتثال لقانون المنافسة، فمِن المرجح أن تمتثل الشركات المعنية للقانون”.
الدور الثالث لوسائل الإعلام في تعزيز المنافسة، حدده رئيس لجنة المنافسة في منظمة “OCDE” في “أثر تشجيع المنافسة من خلال وسائل الإعلام على سلوك صانعي القرار”. وقال شارحا: “وسائط الإعلام الرئيسية، لا سيما وسائط الإخبار، لها دور رئيسي في تطور النقاش الديمقراطي بشأن قضايا السلطات العمومية، إذ غالبا ما تنجح في توجيه النقاش العام حول قضية معينة ووضع حدود لهذا النقاش”.
وسجل الخبير نفسه أنه “يُمكن للمعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام أن تعزز الوضع الراهن أو تعزز الأهداف الاستراتيجية للإصلاح الاقتصادي وإنشاء سوق تنافسية”، قبل أن يبسط مصفوفة من “وسائل السياسة التواصلية التي تتبعها السلطات المختصة في قضايا المنافسة”.
المصدر: وكالات