حذر باحث متخصص في العلاقات الدولية من خطورة سياسة النظام الجزائري تجاه المؤسسات المدنية في هذا البلد، مشيرا إلى أن “الغزوة العسكرية للمؤسسات المدنية تضع الجزائر في مأزق خطير وأمام المزيد من الانقسامات الداخلية والتدهور الاجتماعي”.
وقال جلال الناجي، باحث متخصص في العلاقات الدولية، إنه “في وقت يزداد وعي الشعوب وارتفاع سقف تطلعاتها إلى الديمقراطية والحريات نجد النظام الجزائري بقيادة عبد المجيد تبون يسير عكس التيار التاريخي، إذ لا يسعى فقط إلى عسكرة المؤسسات المدنية، بل يمارس بالفعل وبكل صراحة تعزيز قبضة العسكر على مختلف مفاصل الدولة”.
وبمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجزائر لولاية ثانية، في انتخابات مثيرة للجدل، شدد الباحث في العلاقات الدولية على أن عبد المجيد تبون “يضع الجزائر في مأزق خطير، إذ يقوم بتقوية نفوذ العسكر على حساب المؤسسات المدنية، في صورة صارخة لتلاشي أي طموح لبناء دولة ديمقراطية أو نظام مدني قادر على تلبية طموحات الشعب الجزائري”.
“عبد المجيد تبون لم يكتفِ بتوسيع نفوذ الجيش في المؤسسات السياسية، بل يعزز دور العسكر بشكل ممنهج في الحياة المدنية، مُجهضًا بذلك كل الآمال في بناء مؤسسات مدنية مستقلة، إذ أصبح من المعتاد في الجزائر أن نرى شخصيات عسكرية تتحكم في زمام الأمور خارج إطار اختصاصاتها، ما يحول دون تطور القطاعات الحيوية ويقوض محاولات الإصلاح. هذا النهج الاستبدادي الذي يعتمده تبون يمثل تراجعًا خطيرًا إلى الوراء، بعيدًا عن تطلعات الجزائريين الذين خرجوا في الحراك مطالبين بالتغيير والديمقراطية”، يورد المتحدث في تصريح لهسبريس.
وقارن الخبير بين البلدين الجارين، مستحضرا سير المغرب في طريق مغاير تمامًا، “إذ إن المملكة، بقيادة الملك محمد السادس، تعمل على تكريس مبدأ الديمقراطية في تدبير مؤسسات الدولة والتعيينات واحترام الكفاءات والمؤسسات المدنية، وتحرص على تعزيز الشفافية وإشراك مختلف الفئات المجتمعية في صياغة مستقبل البلاد، ما جعل من المغرب نموذجًا للاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، في وقت تغرق الجزائر في دوامة من التدخل العسكري في كل شؤون الدولة”.
ولفت المصرح إلى أن “ما يقوم به تبون ليس مجرد محاولات لتثبيت دعائم حكمه، بل هو تكريس لحكم عسكري بحت يتجاهل كل تطلعات الشعب الجزائري”، وزاد: “تبون لم يأخذ العبر من الحراك الشعبي، بل اختار تقوية قبضته الأمنية وتهميش المؤسسات المدنية، في وقت أصبح النظام الجزائري عاجزًا عن تقديم أي حلول ملموسة للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. عسكرة الدولة ليست فقط خطرًا على الحريات، بل هي أيضًا وصفة مؤكدة لتفكيك مؤسسات الدولة وإضعافها”.
وتابع الباحث المتخصص في العلاقات الدولية: “بينما يعتمد تبون على العسكر لإسكات الأصوات المطالبة بالإصلاح يواصل المغرب رحلته نحو التحديث المدني، حيث يتم تعيين الكفاءات بناءً على معايير النزاهة والخبرة، إذ إن الحكومة المغربية تواصل بناء مؤسسات مدنية قوية، وهو ما يعزز ثقة المواطن المغربي في نظامه السياسي، على عكس الحالة الجزائرية التي تسير في اتجاه المزيد من التدهور”.
وفي هذا السياق يستطرد الناجي: “لا يمكن إلا أن نقارن بين النظامين. في حين يختار المغرب الإصلاح والمضي قدمًا في تعزيز دولة المؤسسات يصر تبون على جر الجزائر إلى نموذج حكم عسكري شمولي، يجعل من الديمقراطية والحرية مجرد شعارات فارغة”.
واعتبر الخبير ذاته، في تصريحه، أن عسكرة المؤسسات المدنية التي يمارسها عبد المجيد تبون “لا تقتصر على إغضاب الشعب الجزائري فقط، بل تثير استياء الدول الأوروبية التي تراقب الوضع عن كثب”، مردفا: “الدول الأوروبية، التي تعترف بأهمية الاستقرار في شمال إفريقيا، تدرك جيدًا أن عسكرة النظام في الجزائر تشكل تهديدًا مباشرًا على التوازن السياسي في المنطقة”.
“هكذا فإن أي تراجع عن المسار الديمقراطي ينعكس سلبا على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول، التي تعتبر الجزائر شريكًا إستراتيجيًا في مجالات الطاقة والأمن”، يواصل المتحدث نفسه.
ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن “بعض الحكومات الأوروبية أبدت تخوفها من تزايد النفوذ العسكري في الجزائر، حيث ترى أن هذا النهج يقلل من فرص التفاوض البناء مع المؤسسات المدنية المستقلة، ويعزز مناخاً استبدادياً يصعب فيه الحوار بشأن القضايا الحيوية، مثل حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية؛ كما أن عسكرة المؤسسات تقلل من الحكامة والشفافية والمساءلة، وهو ما يعرقل التعاون الدولي ويثير الشكوك حول استقرار النظام الجزائري على المدى الطويل”، وأردف: “الأوروبيون يدركون أن أي تصعيد داخلي في الجزائر قد يؤدي إلى أزمات سياسية واقتصادية جديدة قد تؤثر بشكل مباشر على مصالحهم في المنطقة”.
وفي المقابل، يضيف المتحدث، “يشيد الأوروبيون بالنموذج المغربي الذي يرسخ التعددية والديمقراطية في التعيينات وتسيير مؤسسات الدولة”، وتابع: “يعتبر هذا النهج بمثابة صمام أمان للاستقرار والتنمية في المنطقة، ما يزيد من ثقة الدول الأوروبية في التعامل مع المغرب كشريك سياسي واقتصادي موثوق به”.
وخلص الناجي إلى أنه “إذا استمر تبون في هذا النهج فإن الجزائر ستواجه المزيد من الانقسامات الداخلية والتدهور الاجتماعي، في حين سيواصل المغرب تقدمه كدولة ديمقراطية تحتضن الكفاءات وتعزز مؤسساتها. الفرق واضح: الجزائر تحت حكم العسكر وتبون تسير نحو الفوضى، بينما المغرب يرسخ نظامًا ديمقراطيًا حقيقيًا يُعزز الاستقرار والتنمية”.
المصدر: وكالات