انتقد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في آخر دجنبر الماضي، خلال كلمته في الندوة الختامية لبرنامج “تحسين ظروف إيواء النزلاء الشباب في المغرب 2021-2023″، “اعتقال الأطفال المدمنين على المخدرات وإدانتهم بالسجن”، واصفا الأمر بـ”الغريب”، معتبرا أن “الإدمان على المخدرات ليس جريمة، بل هو حالة مرضية، ولكننا نضيف إليها قرارا مرضيا آخر هو الاعتقال”، وفق تعبيره.
وفي حكم قضائي قريب الصلة بموقف الوزير، في الأسبوع الثاني من شهر يناير الجاري، أدانت محكمة الجنايات في باريس ستة جزائريين بعقوبات تتراوح بين الحبس سنة واحدة والسجن ست سنوات لدفعهم قاصرين مغاربة غير مصحوبين بذويهم إلى إدمان المخدرات لحملهم على ارتكاب عمليات سرقة، معتبرة أن الوقائع بالغة الخطورة نظرا للضرر الذي لحق بالسلامة الجسدية والنفسية للشباب.
وقال إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إنه “يمكن التأكيد في هذا السياق على مطلب حقوقي ملح بتعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية لملاءمتها مع دستور 2011 والتزامات المغرب الدولية بخصوص قضايا المخدرات، عوض التعديلات في البنود التي تؤدي غالبا إلى نتائج عكسية”.
وشدّد السدراوي، ضمن تصريح لهسبريس، على “ضرورة عدم تجريم التعاطي للمخدرات لتسهيل الكشف عن المروجين، والتفريق بين أنواع المخدرات (الشيرا والقنب الهندي وحبوب الهلوسة والمخدرات الصلبة)، وتكييف بعض الجرائم المرتبطة بترويج المخدرات بكافة أنواعها في صفوف الشباب والمؤسسات التعليمية كجنايات وليس كجنح، ثم إدماج العلاج من الإدمان لفائدة الشباب المتعاطي للمخدرات”.
وأشار الفاعل الحقوقي ذاته إلى أن “مسألة الطفل والمسؤولية الجنائية تبقى من القضايا الشائكة التي تختلف من دولة لأخرى عموما، وليس في قضايا المخدرات لوحدها، حيث اتجهت مجموعة من التشريعات، بما فيها التشريع الجنائي المغربي، إلى تكريس نظام قانوني يخص مراحل المسؤولية الجنائية، وذلك وفق سن الفاعل اعتماداً على مبدأ تدرج المسؤولية الجنائية”.
وأضاف قائلا: “وإن كان التشريع الجنائي المغربي يعترف بالتدرج في نضوج الصغير، فإنه في المقابل لا بد أن يعترف بتدرج المسؤولية الجنائية، وهو ما أخذ به المشرع الجنائي المغربي عند الرجوع إلى المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية، حيث نجدها قد أجملت مراحل المسؤولية الجنائية في ثلاث مراحل: مرحلة انعدام المسؤولية ومرحلة نقصانها ثم مرحلة اكتمالها، وما يهمنا هنا هو مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث المتعلقة بقضايا المخدرات”.
وخلص إدريس السدراوي إلى أن الأمر “يتطلب حوارا مجتمعيا يضم كل المهتمين من خبراء الصحة النفسية وحقوق الطفل والقانونيين والمجتمع المدني، من أجل قانون ناجع يكون هدفه ردع ترويج وبيع المخدرات وسط الشباب والأطفال، مع إمكانية استثناء الأطفال أقل من 15 سنة من العقوبة”.
من جانبه، قال مراد زيبوح، محام بهيئة وجدة، إن المشرع المغربي تعامل في ما يتعلق بمستهلك المخدرات بشكل “متشدد” في البداية، خاصة ظهير 21 ماي 1974، الذي ينص في الفصل 8 على أنه “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 درهم و5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات”.
وأضاف زيبوح، في حديث لهسبريس، أن “هناك مقتضيات جديدة جاءت لتعدل هذا المقتضى تتعلق بعلاج الإدمان، حيث اعتبرت أن المدمن على المخدرات ضحية أكثر منه جانيا، وأنه غير مستفيد ماديا من الجريمة عكس المتاجر بهذا المخدر”، مشيراً إلى أنه “بموجب هذه المقتضيات الجديدة، بات على وكلاء الملك تمتيع المدمنين الموقوفين من حق العلاج من الإدمان عوض السجن بمجرد التماس المعني بالأمر ذلك”.
غير أن الخبير في القانون الجنائي ذاته عاد ليؤكد أنه “للأسف، على مستوى الممارسة ونظرا لضعف البنيات التحتية المرتبطة بعلاج الإدمان بالمغرب، بقي هذا المقتضى معطلاً، حيث كان يُمنح لأغلب الموقوفين على إثر استهلاك المخدرات السراحُ المؤقت بعد تأكد الضابطة القضائية والنيابة العامة أن المخدر المحجوز لدى الموقوف يتعلّق بالاستهلاك فقط، وليس بالترويج أو الاتجار”.
وأشار المحامي ذاته إلى أن “المشرعين المغربي والفرنسي ينهلان معاً من المدرسة القانونية اللاتينية التي تجتهد في معالجة الجريمة والوقاية منها عبر طرق إعادة إدماج الجناة عوض معاقبتهم”، معتبراً أن “أول ما يمكن به إعادة إدماج المدمنين على المخدرات، هو علاجهم عوض سجنهم”.
المصدر: وكالات