حوار مع الزعيم السياسي محمد بن عبد الكريم الخطابي، أجراه في منتصف القرن العشرين الدبلوماسي والفقيه عبد الهادي بوطالب أحد أعلام الحركة الوطنية ثم العمل السياسي ما بعد الاستقلال، تضمّن آراء للعلَم المغربي الخطابي حول تصورات إمارة الريف زمن الاحتلال الأجنبي الإسباني والفرنسي، حيث قال إنها لم تكن “إمارة مستقلة بالريف شمال المغرب، كما قال عنها أعداؤهُ الفرنسيون، وإنما كان يعني بالإمارة إمارة الجيش المحارب للدولتين الفرنسية والإسبانية”.
هذا الحوار توجد مقتطفات منه في الكتاب الحواري الذي أعده الإعلامي المختار عماري مع بوطالب بعنوان “هذه قصتي”، ونصه بكتاب “ذكريات وشهادات ووجوه”، كما تحضر منه أجزاء بموقع مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري، بعدما تعذّر نشره قبل الاستقلال نظرا لأن “الصحافة الوطنية في المغرب آنذاك مغلولة العنق من لدن سلطة الحماية الفرنسية بالمغرب”، وفق بوطالب.
وتابع بوطالب: “في هذا الحديث الصحافي صحّح الزعيم الخطابي أخطاء كتبت عن ثورته؛ فهو، كما يقول، لم يكن ثائرا على السلطان كما كانت تروج له فرنسا. وثورته كانت لتحرير الريف لتنتهي إلى تحرير المغرب، وتحرير سلطان وسيادة المغرب من قبضة الحمايتين الفرنسية والإسبانية”.
عبد الهادي بوطالب، الذي زار بيت محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1950 بالقاهرة، بعدما نجح علَم المقاومة في الانفلات من الأسر الفرنسي، بحضور شقيق بن عبد الكريم الخطابي الذي شغل مهمة العلاقات الخارجية للإمارة المستقلة عن تدبير الاحتلال الإسباني لشمال المغرب بين سنوات 1921 و1926.
وكان جواب “لماذا إعلان الاستقلال والجمهورية؟” هو: “وضعنا على أنفسنا الأخذ بأحد الخيارين: مواصلة الحرب كحركة تحريرية، أو إقامة حكومة مسؤولة، وترددنا قبل اعتماد الخيار الثاني؛ لأننا كنا نسعى إلى استقطاب التأييد الدولي للتحرير. وكان توفر عنصر الحكومة ضرورة تفرض نفسها للاعتراف بمشروعية نضالنا المسلح؛ لكننا كنا نعتبر ذلك مجرد مرحلة نعود بعدها إلى الاندماج في المغرب المستقل الواحد عندما يتحقق التحرير الشامل”.
وتابع المصدر ذاته ناقلا شهادة بن عبد الكريم الخطابي، التي كانت تتخللها تدخلات لأخيه: “ومع ذلك ينبغي أن تفهموا أننا لم نضف اسم إمارة الريف ولا الجمهورية إلى الحكومة التي أسسناها، كما أنني –يقول عبد الكريم- لم أسمّ نفسي أميرا، ولم يُستعمل هذا اللقب مقرونا باسمي إلا بمعنى أمير الحرب”.
وحول العلاقة بالسلطان محمد الخامس، في وقت كانت قد توسعت فيه الشقة بين الملك وبين الاحتلال الفرنسي مطلع الخمسينيات، قبل نفيه خارج أرض المغرب، قال الخطابي: “إن أسرتنا تدين بالإخلاص لجلالة السلطان وتقدر جهاده في هذه المرحلة. وقد كنت أتمنى وأنا أخوض حرب الريف أن يدشنها والده في الفترة نفسها. ومنذ أن وصلت إلى القاهرة وبعد أن زدت اقتناعا بأن فرنسا تجتهد لاستغلال اسمي قصد التفريق بيني وبين جلالة محمد الخامس الذي يشخص اليوم كفاح المغرب، نشرت بجريدة الزمان المصرية بمناسبة عيد العرش لسنة 1947 هذا المقال لقطع دابر الترهات، وتأكيد تعلقي بالسلطان والعرش”.
كما ذكر الخطابي أنه “لم يكن وراء ثورة الريف أي دافع شخصي، ولا نزوع انتقامي من أية شخصية إسبانية معينة؛ فالحركة الريفية التي قدناها كانت حربا تحريرية ضد إسبانيا قصدنا منها رفع احتلالها عن الشمال المغربي، وتطورت إلى حرب مع فرنسا أيضا عندما زجت بنفسها مختارة في الحرب، مما فرض علينا مقاومة الزحف الفرنسي واقتحام حدود المنطقة السلطانية التي أخضعتها فرنسا لحمايتها”.
وواصل: “لو أن الأمر كان يتعلق بالرد على لطمة تلقيتها من أي إسباني لهان. ولو كان مجرد انتقام ممن أمر بسجني –كما قد قيل- لكنت عرفت كيف أنتقم لنفسي ممن اعتدى علي، وإنما قصد من اختلقوا قصصا من هذا النوع عن حركتنا تشويه أهدافها والتشكيك في عدالة قضيتنا التي كانت تستهدف التحرر من الاحتلال. وقد أطلقوا لعنانهم الخيال ليجعلوا منها قضية انتقام شخصي تارة، أو ليصبغوها بصبغة النعرة القبلية تارة أخرى في نسيج ذهني يجعل منها قصة روائية مبتذلة”.
ثم أردف قائلا: “إننا لم ننطلق من دافع عداوة أو بغض للأجنبي –كما قيل أيضا- بالرغم من أننا كنا نحرص على الجهاد في سبيل الله لتحرير أرضنا فقط، وليس لمطاردة المشركين حيثما كانوا، والحرب لتحرير الأرض حرب مشروعة في الاعتبار الدولي ولو كان اسمها في الإسلام الجهاد في سبيل الله”.
المصدر: وكالات