كتاب جديد مهدى إلى “الجامعة المغربية” صدر عن كلية العلوم بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، للأستاذ الجامعي محمد الديوري، الذي كان عضوا بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، مقترحا أجوبة وتساؤلات يجمعها “حلم جامعة، أو حلم للجامعة، يصلح أرضية تحتاج للتحقيق العلمي والنقاش الموضوعي الموسَّع”.
ويركز كتاب “حلم الجامعة المغربية المتكاملة” على “بنية منظومة التعليم العالي وكيفية الارتقاء بها”، ويقترح تصورا لإصلاح شامل، مبني على التكامل بين التخصصات والمؤسسات، بين النظري والتطبيقي، والتدريس والبحث، والأستاذ والطالب، وبين مرافق الجامعة المختلفة، وبينها وبين المجتمع، وبين المحلي والكوني، ويذكر أنه “إذا كان من الصعب على الجامعة أن تغير المجتمع فينبغي لها، في الأقل، أن تؤدي واجبها وترتب بيتها”.
ويقف الكتاب الجديد عند إصلاحات الجامعة المغربية ومحدوديتها، وفلسفة الجامعة، ولغتها، واستقلاليتها، وإصلاح النظام التربوي، وأنماط التدريس، والتكوين المستمر، وعوائق البحث العلمي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، من بين التحديات التي يشخصها الكتاب في البحث العلمي داخل الجامعة أنه “غالبا ما تُحدد الأولويات بمعزل عن إستراتيجية شاملة ترسمها الدولة”، مردفا: “بما أن أولويات الجامعة تقرر في مجالسها فإنها غالبا ما تعكس اهتمام الباحثين فيها أو حاجات المحيط أو بعض التوجهات الدولية”، ويُتابع: “أولويات الجامعة قد تلتقي مع كل ذلك، ولكنها يجب أن تحدد باستقلالية، إن كان من الضروري تحديدها أصلا”.
وينبغي للإصلاح الشامل للجامعة المغربية، وفق الديوري، أن يستند إلى تشريح لواقعها ومناقشته بشكل شامل وموسع، وتحديد فلسفة الجامعة وأهدافها وغاياتها وأولوياتها ووظائف مؤسساتها واختياراتها التربوية والإدارية والثقافية، “كي تكون لوجودها قيمة مضافة وطنيا ودوليا”.
ومن بين ما يتطلبه الإصلاح أن تشمل الجامعة كل التخصصات، وأن يكون توازن بين المؤسسات والتخصصات، مع “تجميع شعب ومؤسسات التعليم العالي الجامعي وغير الجامعي ودمج المتشابه منها”، و”توحيد المؤسسات والتخصصات إداريا وبيداغوجيا وقانونيا”، و”إرساء جسور حقيقية بين مسالك الشعب والمؤسسات المختلفة”، و”إلزامية التكامل المعرفي في التكوينات الأساسية”؛ وعندما يتعذر التكامل التربوي في الزمن الفعلي ينبغي أن “تحضّر بعض شعب ومؤسسات الجامعة الطالبَ لشعب أو مؤسسات أخرى”، وفق المصدر ذاته.
ويبرز الكتاب أهمية “استقلالية الجامعة، مع التعاقد”، والحاجة إلى انفتاح الجامعة على المحيطين المحلي والدولي بشكل شامل من أجل التأثر والتأثير، وتوفير شروط تحقيق هذا، و”وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”.
ومن بين ما سطر عليه المؤلف في الإصلاح المنشود “بناء كل انتقاء على الرصيد المعرفي والمهاراتي الملائم عوض الشهادة”، و”تقليل القيود واعتماد المرونة في التكوين بإعطاء الطالب حرية أكبر في الاختيار”، و”فتح أكبر قدر من وحدات الجامعة أمام الطلبة غير النظاميين”، و”تقليص عدد الشهادات الممنوحة إلى أدنى حد ممكن، وتعريفها وتحديد شروطها وصلاحياتها بشكل أكاديمي مستقل”.
ويوصي المؤلَّف الجديد بـ”استعمال لغة وطنية واحدة في التواصل والتدريس داخل الجامعة الواحدة، خصوصا في السلك الأول بالجامعات العمومية، والاشتغال على تهيئتها وتطويرها”، واستعمال الإنجليزية في البحث والانفتاح على العالم، مع تشجيع تعلمها بالتدريج، وجعل البحث في كل المؤسسات والتخصصات إلزاميا.
ومن بين ما يقتضيه الإصلاح الجامعي، حسب المصدر ذاته: “إنشاء خلية بالجامعة للتتبع والتقييم والدراسة والتطوير الإداري والتربوي” و”إنشاء واجهة للتواصل مع المجتمع”، و”تقييم الأساتذة والهيئات المختلفة بناء على المهمة المنوطة بهم ورأي المستفيدين منهم وعلى الجودة وأولويات الجامعة”، مع “اعتماد تقييم الجامعة على مؤشرات الجودة، مثل إنتاجية الباحثين ودرجة تخصصهم، وموسوعية الخريجين ونسبة تشغيلهم، والترتيب في التصنيفات والجوائز والمسابقات الوطنية والدولية، والشمول والتكامل بين التخصصات والمؤسسات والمرافق، والنجاعة والفاعلية في التسيير”.
ومن أصعب ما يهدد تصور الإصلاح الجامعي “الأمور التي لا تخضع للمنطق الأكاديمي الصرف”؛ فـ”كثيرا ما يقوم المستخدمون والطلبة بإضرابات واعتصامات من أجل المحافظة على امتيازات غير مستحقة أو المطالبة بأخرى غير منطقية؛ وقد يفلحون في إلزام الجامعة بتحقيق هذه المطالب.
والنقابات لا تنفك عن المطالبة بحقوق بعض الفئات والتكتلات، ولا تكاد تتكلم عن الواجبات”، وفق المؤلف ذاته، وزاد: “كما أن القوانين والسياسات تحد من استقلالية الجامعة، وتكبلها بمعادلات يختلط فيها الأكاديمي بالمالي والإداري، بل حتى الإيديولوجي والأمني والسياسي. ثم هناك الأعراف المستحكمة، خاصة لدى الفئات التي تربت في ظل النظام التقليدي وصارت العادة عندها عبادة. كما أن من العوائق أيضا كلفة التغيير، خاصة في ظل رواسب الماضي من تشتت وغيره”.
تحقيق “حلم الجامعة”، حسب الكتاب، لا يتطلب فقط إزاحة العوائق المذكورة، بل يتطلب أيضا “استعداد الجامعة لمناقشة كل جوانب المنظومة بشكل موضوعي، بناء على دراسات تقوم بها هيئات تقنية معتمدة”، و”استعداد المحيط الاجتماعي الاقتصادي للتغيير”، و”بناء الاستقطاب والتوظيف والترقية على أسس الكفاءة، أي منهاج الدراسة والمهارات، أكثر من الشهادة”، مع “تقليل عدد التخصصات في التعليم الثانوي ما أمكن، والمحافظة على أكبر قدر من الجسور بينها، والتركيز في هذه المرحلة على المهارات وتشجيع المواهب وعلى الثقافة والمعارف العامة، وخاصة منها الوطنية”.
المصدر: وكالات