في سبيل عرض مخرجات بحثها الإجرائي حول مساهمة تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في ارتفاع العنف ضد النساء بالمغرب، نظمت منظمة “امرأة” ندوة رقمية أبرزت من خلالها أهم ملامح العنف الذي يمارس على النساء اللائي يحاكمن وفق مقتضيات الفصل 490 من القانون الجنائي؛ فضلاً عن إماطة الحجب عن تكييف حالات عديدة لقضايا اغتصاب واعتداء جنسي على أنها “قضايا فساد”.
ومن خلال القضايا المعروضة على العدالة قامت المنظمة بعملية استرجاع عبر العودة إلى تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2021 لإبراز كيف أن “هناك ترجيحا لكفة التجريم وفق الفصول المجرمة للعلاقات الجنسية خارج المؤسسة الزوجية على كفة حماية وإنصاف النساء من العنف الممارس عليهن” من خلال مقارنة بين إعمال مقتضيات القانون 103-13 الخاص بمناهضة العنف ومقتضيات القانون الجنائي.
وحسب تقرير النيابة العامة للسنة المذكورة، فإنه خلال سنة 2021 تم تسجيل حالة متابعة واحدة بخصوص “خرق تدبير منع الاتصال بالمرأة”، و16 حالة متابعة بـ”القتل العمد ضد النساء”، و758 حالة تهم “التحرش الجنسي في الفضاء العام”، و1001 حالة متابعة بـ”الاغتصاب” و2503 حالات تتعلق بـ”العنف ضد النساء الناتج عنه عجز أكثر من 20 يوما”، لكن المفارقة أن أزيد من 16 ألفاً و567 حالة توبعت بـ”الفساد والخيانة الزوجية”.
هذه المفارقة تشكل “دلالة مختلفة بالنسبة للنسائيات المتحدثات في الندوة”، لاسيما أن “القضايا الجنائية المرتبطة بالجرائم الماسة بالأخلاق العامة تأخذ أكثر من 50 في المائة من عمل السلطات العمومية على حساب القضايا المرتبطة بأفعال العنف ضد النساء”؛ وهذه المفارقة تحيل على “مشكلة” أن “معاقبة النساء ضمن قضايا الفساد لها انعكاسات خطيرة على حياتهن بشكل عام”.
الناشطة النسائية حسناء علالي قالت، في إطار تقديمها لمخلصات اللقاءات المنجزة ميدانيا، إن “الاعتقال والمتابعة الجنائية بتهم العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج يلحق بالنساء الكثير من الأضرار النفسية، فبعضهن يعانين من القلق المرضي ومن التوتر والعزلة وعدم مغادرة البيت، ومنهنّ من وصلن إلى حالة اكتئاب بلغت حد التفكير في الانتحار. وهذا ما بدا من خلال لقاءات أخصائيين نفسانيين بهنّ”.
وعن الآثار الأخرى، أوضحت المتحدثة أن “الأضرار الاجتماعية كذلك لا تقل خطورة، خصوصا فيما يتصل بتنكر العائلة والإقدام على تغيير مكان الإقامة والمدينة، ومحنة التنميط المجتمعي، ووصم العائلة بالعار”، مشيرة أيضاً إلى “الأضرار المهنية المتمثلة في فقدانهن العمل بسبب طردهن من قبل رب العمل، وصعوبة إيجاد عمل باعتبارهن من ذوي السوابق، فضلاً عن التخلي عن العمل بسبب مغادرة فضاء الإقامة”.
وفيما يخص الأضرار الاقتصادية، أفادت علالي أن “البحث صادف حالات من النساء تعرضن للاحتيال من طرف أزواج وهميين، استولوا على أموالهن وممتلكاتهنّ”، لافتة إلى أن “هؤلاء النساء المتابعات يتعرضن لمختلف أنواع العنف دون أي حماية، سواء من طرف الأسرة أو الزوج أو أسرته”. وأضافت أن هناك أضرارا تتصل بحرمان الأطفال من النسب وحرمان الأمهات من الحضانة أو حق الزيارة، فيتخلين عن أبنائهن في المستشفيات”.
من جهتها، سجلت الحقوقية أمينة بيوز “غياب أضرار فعلية بالنسبة للرجال المتورطين في القضايا المرتبطة بالفصلين 490 و491 من القانون الجنائي. وفي قضايا الخيانة الزوجية غالباً ما تسحب الزوجة شكايتها ضد زوجها”، مشيرةً إلى “صعوبة إثبات قضايا الاغتصاب لكونها تتم في فضاءات مغلقة، وتكون تبرئة المعتدي هي النتيجة وحتى عدم متابعته”. وقالت إن النساء يتعرضن لتحايل كبير في هذه المواضيع ويتم تكييف القضايا على أنها فساد.
ولفتت الحقوقية عينها إلى تهرب “الأزواج الوهميين من الواجبات والالتزامات المالية وغيرها، التي تترتب عادة عن الزواج الحقيقي والفعلي”، معتبرةً أن هذه الوضعية تكرس هشاشة النساء، “وتجعل الرجال يكتسبون الثقة في النفس ويواصلون استغلال الثغرات القانونية ويعيدون ارتكاب هذه الجرائم ضد المرأة نفسها أو ضد نساء أخريات”. وأضافت “يجب معالجة هذا الوضع لنضمن عدالة أكبر للنّساء”.
وعن أهم المعيقات التي تعترض النساء كنتيجة للفصول الجنائية، أشارت الندوة إلى مقاضاتهنّ رغم غياب القصد الجنائي لديهن في مجموعة من الحالات، واستخدامها أيضا من طرف الرجل كأداة لارتكاب مجموعة من أشكال العنف ضد النساء، مع تملص الجاني من جرائمه والإفلات من العقاب، وكذلك عدم قدرة الضحايا على التبليغ عن مختلف أشكال العنف، وبالتالي حرمانهن من حقهن في الحماية والوقاية والإنصاف والتعويضات المناسبة.
ولم تفوّت الحقوقيات الحديث عن كون الفصول من 490 إلى 493 من قانون العقوبات المغربي أصبحت وسيلة لتملص الجناة من واجباتهم والتزاماتهم القانونية، كما أن مقتضيات هذه الفصول تسبب العديد من الأضرار للأبناء، وتساهم في تقييد حريات السلطات العمومية المعنية في التوسع بالبحث والتقصي واعتماد مختلف الإثباتات لإبراز براءة الضحية وجرم المعتدي.
المصدر: وكالات