دينامية غير مشهودة يعرفها المغرب حاليا في علاقته بالمؤسسات الأممية الدولية، فما إن حل العام الجاري حتى بدأت ملامح هذه الدينامية تظهر تباعا، معلنة بذلك عن بدء عهد مغربي جديد في الانتشار داخل هياكل المنظمات والمجالس الأممية.
أقوى هذه الملامح تلك التي جسدها انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لسنة 2024، تلاه انتخاب المملكة لرئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي لشهر فبراير الجاري. ولم تتوقف المسيرة عند هذا الحد، بل انضاف إليها اختيار منظمة الصحة العالمية المغرب من أجل رئاسة لجنة الروابط الاجتماعية التابعة لها خلال السنوات الثلاث المقبلة، في أفق إصدار تقرير عالمي مرجعي.
واختارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المغرب رئيسا للجنة التوجيهية للشبكة الدولية للأمن والسلامة النوويين. هذا الاختيار تلاه كذلك انتخاب الرباط عضوا بمجلس وكالة الفضاء الإفريقية، بعد فوزها بخمسين صوتا في انتخابات المنطقة الشمالية من القارة.
ويرى محللون أن “هذه الدينامية المسجلة على مستوى التموقع المغربي ضمن المؤسسات الأممية تعد إشارة إلى جدية التفاعل المغربي مع الأعمال الأممية، إلى جانب كونها إشارة إلى حرص المملكة على ضمان انتشار كفاءاتها داخل هذه المؤسسات، في أفق تحضير البلاد لدخول نادي الدول الصاعدة”.
انخراط جاد
رشيد لزرق، أكاديمي رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أفاد بأن “هذه الدينامية المسجلة تدل بشكل مباشر على مدى التفاعل المغربي مع المؤسسات الدولية، الأمر الذي جعل منه شريكا ذا مصداقية، على اعتبار أنه يحبذ الاشتغال من داخل المنظمات الأممية، لا خارجها”.
وأضاف لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الدينامية تبين كذلك مستوى الانخراط المغربي الجاد والمعقول في الأجندة الدولية، حيث تسعى المملكة من خلال هذه التحركات جاهدة إلى فرض نفسها كقوة صاعدة في ظل التوجه العالمي الجديد نحو تشكيل نظام دولي حديث يلي فترة جائحة كورونا”.
وسجل المتحدث “وجود العالم في الوقت الراهن وسط مرحلة انتقالية، وهو الأمر الذي يعيه المغرب بشكل جيد ويحاول استثماره لصالحه، إذ من المنتظر أن تساهم هذه الدينامية الجديدة في رفعه إلى درجة فاعل مستقبلي في صناعة القرار الدولي”، لافتا إلى أن “المغرب كذلك لا يركز على ملف بعينه، بل يلعب على مستويات عدة، بما فيها ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية”.
وأبرز الأكاديمي ذاته أن “وصول مسؤولين مغاربة إلى مسؤوليات أممية، هو استراتيجية وطنية عامة، إذ يعطي ذلك إشارات إلى أن المملكة تحتضن كفاءات من شأنها أن تساهم في بلورة وتشكيل القرار الأمي تجاه عدد من القضايا المستجدة، ما دام أن المغرب يتم التعامل معه من قبل الدول الأخرى كشريك موثوق وقادر على بسط الحلول”.
القوة الناعمة
قال محمد شقير، باحث محلل السياسي، إن “التطورات الأخيرة تتعلق أساسا برؤية سياسية وديبلوماسية للمملكة تجاه المؤسسات الدولية؛ ذلك أن حتى نيلها مناصب مرموقة ضمن هذه المؤسسات يأتي نتيجة للثقة الدولية المتزايدة فيها باعتبارها تحترم سيادة الدول، سواء الأوروبية أو الأفريقية، الأمر الذي أدى إلى تعامل الدول الأجنبية مع المغرب بنوع من الثقة الزائدة”.
واعتبر شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب دائما كان حريصا على المشاركة في الأعمال التي تتم تحت مظلة الأمم المتحدة؛ فعلى سبيل المثال، يشارك دائما في عمليات حفظ السلام الأممية”، لافتا إلى أن “الرباط اليوم باتت تعطي أهمية كبرى للتموقع داخل هذه المؤسسات الدولية، الأمر الذي يمهد لاكتسابها لقوة ناعمة”.
وسجل المتحدث “عمل الأجهزة الديبلوماسية للمملكة على ضمان انتشار مغربي داخل المؤسسات الدولية والأممية، وبالتالي فالدينامية التي نراها اليوم ليست إلا نتيجة لهذا الاشتغال الوطني، واستحضارا كذلك لجهود المغرب في التحول إلى قوة إقليمية، تزامنا مع السعي الدولي نحو بناء نظام دولي جديد”.
وخلص الكاتب والمحلل السياسي إلى أن “التموقع داخل المؤسسات الدولية سيعطي المغرب فرصة من أجل الدفاع عن سياسته وإسماع صوته بشكل مكثف، الأمر الذي يساعده كذلك في بناء قوة ناعمة وطنية، حيث تبقى هذه الأخيرة من جوانب قوة أي دولة في الوقت الراهن”.
المصدر: وكالات