في صورة نادرة، أطل للعلن واحد ممن كانت السلطات بالمغرب تضعهم منذ 2003، ضمن قائمتها عن أبرز المطلوبين على ذمة قضايا التهريب الدولي للمخدرات.
مؤديا مناسك العمرة مطلع هذا الشهر، ظهر محمد الشعايري الذي خضع للمحاكمة مرتين، على خلفية قائمة طويلة من الملاحقات الجنائية، وخرج مظفرا أخيرا بعد نيله قرارا قضائيا بالبراءة استغرق الحصول عليه عدة سنوات، وسلسلة من الأحداث الشيقة بدأت منذ اعتقاله عام 2017، ولم يكل من كان يعد « بارونا بارزا » عن مواجهتها طيلة السنوات التي تلت، وما يزال.
الصورة التقطت مطلع هذا الشهر، في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، حيث يؤدي الشعايري مناسك العمرة. التقط هذه الصورة للرجل الحريص على عدم الظهور، نجل نائب سابق في البرلمان عن دائرة المضيق-الفنيدق، أحمد المرابط السوسي (التجمع الوطني للأحرار)، وهو أيضا عضو في جماعة المضيق. ثم نشرها على حسابه في « فايسبوك »، حيث كان يجلس متأبطا ذراع الشعايري، في صورة جماعية تشمل بعض الأشخاص بينهم والده الطامح إلى مناصب جديدة في الانتخابات المقبلة.
أيضا، الصورة الملتقطة تظهر نائبا آخر في البرلمان، وهو يأخذ وضعيته مسرورا في هذه الجماعة. ويتعلق الأمر بمحمد العربي المرابط، النائب عن حزب الأصالة والمعاصرة (دائرة المضيق- الفنيدق)، وهو أيضا نائب لرئيس جماعة مارتيل.
في تعليق على الصورة التي نشرها، كتب نجل البرلماني السابق عن التجمع الوطني للأحرار عبارة يثني فيها على البرلماني عن الأصالة والمعاصرة، دون أن يشير إلى الشعايري الذي أدين بثماني سنوات سجنا على خلفية قضايا تهريب مخدرات، قبل أن تعيد محكمة النقض هذه القضية مجددا إلى محكمة الاستئناف بتطوان، وتقضي مجددا ببراءته.
سيعيد والده، المرابط السوسي، نشر الصورة على صفحته في « فايسبوك »، وسيصف الأشخاص الظاهرين في الصورة بأنهم « ثلة من أخيار الشرفاء المحترمين ».
على خلافه، لم ينشر البرلماني المرابط عن الأصالة والمعاصرة أي صور من تلك على حساباته بالشبكات الاجتماعية. مصدر قريب منه قال لنا « إن الصورة التقطت بمحض المصادفة… ولا تعكس قيام الأشخاص الظاهرين في الصورة بأي عمل آخر »، مثل تهنئته على نيل الحكم القضائي لصالحه. مشددا على أن « اللقاء انتهى بمجرد التقاط الصورة ». مؤكدا أن الشعايري « بريء من وجهة نظر القانون ».
كان الشعايري يحاكم بقائمة من التهم تشمل تكوين عصابة إجرامية والاتجار الدولي في المخدرات، وتبييض الأموال وحيازة بضاعة أجنبية دون سند مشروع، ومحاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والفرار من العدالة.
في الوقت الحالي، تجري محاكمته أيضا في قضية تزوير في محررات، نجح بواسطتها في الاستيلاء على تعويضات نزع ملكيات أشخاص آخرين. كانت محكمة الاستئناف بتطوان قد قضت في حقه بسبب هذه التهمة بأربع سنوات حبسا.
أعيدت القضية إلى محكمة الاستئناف التي تنظر مجددا في القضية.
وجود الشعايري في المدينة المنورة يطرح أسئلة حول قدرته على السفر إلى الخارج، بينما تجري محاكمته في قضية التزوير. إلا أن محاميا مطلعا على ملفه، ذكر لصحفي « اليوم 24″، أن المعني « تمتع برفع قيود المراقبة القضائية عنه منذ محاكمته أول مرة بسبب هذه الملفات عام 2018 ». يسمح هذا الإجراء باستعادة الشعيري جواز سفره.
سيرة الظل… في المحاكم
في الواقع، فقد كانت قضية الشعيري برمتها مصدرا للإحراج لدى السلطات. فقوات الشرطة التي حاولت هباء طيلة حوالي 15 عاما، القبض عليه، نجحت عام 2017 في الإمساك به أخيرا في طنجة، حيث لاذ بالفرار عقب مداهمة بيته في منطقة العليين البدوية قرب الفنيدق. كانت تلك المداهمة التي شاركت فيها نخبة من قوات الشرطة على صعيد الولاية، قد تسببت في حرج مجددا، بعدما تمكن الشعيري من مغادرة مكانه في غمرة الاحتفالات بزفاف ابنته، متسللا خارج الطوق الأمني المضروب عليه. هناك شريط فيديو يوثق للجلبة التي حدثت مع وصول قوات الشرطة إلى ذلك المكان. لاحقا، ستقبض عليه قوات الشرطة نفسها مختبئا في منزل يعود إلى إحدى زوجاته.
كان يتعين على الشعيري مواجهة التهم التي تلاحقه بشأن التهريب الدولي في المخدرات. فاسمه البارز في المخيلة الشعبية بمناطق شمال البلاد، كان يملأ كافة محاضر الاستجواب التي جرى تنفيذها منذ عام 2003، مع كبار زعماء شبكات المخدرات في هذه المنطقة، ولقد كان منير الرماش يعتبره « شريكا ». كان يكفيه بالتالي، أن يغير الرماش روايته بعد 15 عام، حتى يبقي آماله عريضة في وضع حد لهذه الكوابيس.
رغم الشكوك التي أحيطت بها محاكمة الشعايري عام 2018، فإن محكمة الاستئناف بتطوان، قضت في قرار ابتدائي، بمنح البراءة للمعني من كافة التهم الموجهة إليه. كانت مفاجأة.
بمجرد ما نطق القاضي بهذا القرار، كان الشعايري يغادر سجنه في تطوان في سلسلة إجراءات إدارية مثيرة للجدل. سيظهر الشعايري في مصحة بالرباط حيث كان يتلقى العلاج، لكنه في ذلك الوقت، كان ملاحقا بمذكرة بحث جديدة أصدرتها السلطات عقب الإجراج الذي أصابها من الحكم ببراءته. وبسرعة، جرى اقتياده من المصحة إلى الاستجواب مجددا.
في المرحلة الاستئنافية، ستقرر غرفة الجنايات بمحكمة الاستنئاف بتطوان، تغيير الحكم بشكل كلي، من البراءة إلى الإدانة، والحكم بالسجن 8 سنوات على ذمة قضايا المخدرات، وأربع سنوات على خلفية قضية التزوير. بالطبع، لم يقض المعني يوما بعدها في السجن، فقد مُنح إفراجا مؤقتا بينما كانت محاكمته تتواصل مند يونيو 2018 إلى يونيو 2019 حين صدر الحكم ضده. وسيستفيد الشعيري من هذا الإجراء للبقاء حرا منتظرا قرار محكمة النقض بعدما طعن في القرار الاستئنافي بسجنه.
في عام 2021، ولفائدته مرة أخرى، صدر قرار محكمة النقض معيدا قضيته إلى محكمة الاستنئاف. هذه المرة، ومن دون أي ضجيج، وبعيدا عن وسائل الإعلام، سيجري تأييد القرار الابتدائي ببراءة الشعيري من كافة التهم الموجهة إليه في قضايا المخدرات.
قال محاميه، كمال المهدي، في جواب عن أسئلة صحفي « اليوم 24″، إن موكله « قضت لفائدته محكمة النقض بنقض القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في تطوان، وأحالت ملفه على هيئة جديدة ». مضيفا أن هذه الهيئة « قد قضت بتأييد القرار المستأنف، أي بالبراءة ».
وفقا لمحامين، فقد مرت المحاكمة الجديدة في لمح البصر. لم تستغرق وقتا طويلا في تأجيلات بطلب من الأطراف، ولقد اعتُبرت جاهزة للحكم سريعا.
لم يتضح ما إن كانت النيابة العامة قد طعنت مجددا في القرار الجديد. لم يتسن الحصول على تأكيدات بهذا الخصوص. ستكون مشكلة إضافية إذا لم تفعل.
مزهوا بحريته غير المشروطة بعد حوالي 20 عاما من المشاكل مع القانون، ليس لدى الشعايري أي شيء يخاف منه. مسؤول أمني في تطوان قال لنا إن الشعايري « لم يعد مطلوبا لدى الأمن الوطني »، موضحا أن ملفاته « قد جرى تصفيتها من طرف الفرقة الوطنية (للشرطة القضائية)، وأحالته على المحكمة بجميع الملفات التي كان مبحوثا عنه بشأنها ».
المصدر: وكالات