لا تكف وزارة الداخلية، التي يشرف عليها عبد الوافي لفتيت، عن الإفراج، بين الفينة والأخرى، عن تنقيلات تخص أطرها من باشوات وعمال وولاة وقياد؛ وهو ما يثير عادة تساؤلات حول أهمية هذه العملية الدورية ربطا إياها ببرنامج الجهوية الموسعة ومحورية رجل السلطة في تنزيل السياسات العمومية وتتبع تنفيذ النموذج التنموي الجديد ومسايرة الأوراش الخاصة بالاستحقاقات التي ينظمها المغرب مستقبلا، وعلى رأسها كأس العالم لسنة 2030.
تفرج “أمّ الوزارات” عادة عن هذه الحركيات التي تهم كوادرها بعد عمليات تقييم تكون وراءها اللجنة 360 المكلفة بالتقييم والترقيات، بما يفتح الباب أمام رجال سلطة من أجل الالتحاق بمقرات تعيين جديدة واستلام مهام والإشراف على ملفات وأوراش تنموية تتطلب استراتيجية محددة في التعامل معها في إطار الجهوية الموسعة ومساعي تنزيل النموذج التنموي 2035.
وكشفت الوزارة ذاتها، منذ أيام، عن تفاصيل حركة انتقالية في صفوف رجال السلطة الذين يبلغ عددهم 592 رجل سلطة يمثلون 23 في المائة من مجموع أفراد هذه الهيئة من العاملين بالإدارة الترابية، إذ قالت إن هذه الحركية تأتي اعتبارا لما تضطلع به هذه الهيئة من “دور محوري في تجسيد مفهوم الخدمة العمومية، فضلا عن تحفيزهم على المزيد من العطاء والاعتراف بما يقدمونه من تضحيات جسام في مختلف الاستحقاقات الكبرى التي تعرفها المملكة”.
وأمام توالي هذه العمليات من قبل وزارة الداخلية، رفض أكاديميون النظر إلى تنقيلات رجال السلطة على أنها “عملية روتينية عادية”؛ بل أوضحوا أنه لا “يمكن فصلها عن سياقها المتعلق بالجهوية الموسعة أولا، وبتنزيل النموذج التنموي ثانيا، وبالاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الكبرى ثالثا”، موردين أن هناك “رهانا من قبل أمّ الوزارات على ضرورة اكتشاف الكفاءات الجديدة القادرة على تولي مهام الإشراف على سير الأوراش التي يعرفها المغرب حاليا”.
في مصلحة التنمية
حفيظ الزهري، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، قال إن “رجل السلطة صار، اليوم، يلعب دورا مهما في مسلسل الجهوية المتقدمة التي تم التأسيس لها منذ 9 سنوات تقريبا، حيث صار إطار الداخلية ذا مساهمة مهمة في تحقيق التوازن المجالي والتنموي بربوع المملكة؛ فالعملية في شقها القانون تبقى عادية وذات صبغة إدارية محضة”.
وفي الجانب السياسي، أضاف الزهري، “يبقى تنقيل رجال السلطة بمثابة عملية استكشافية لهم من أجل تمكين جهات ومناطق معينة من الاستفادة من تجاربهم؛ فالأمر يرتبط أساسا بعدد من المعايير التي تأخذها الوزارة الوصية بعين الاعتبار، بما فيها الكفاءة والعطاء المهني، حيث إن مواصلة العملية نفسها بشكل دوري يأتي بعدما نجحت تجربة أولى كانت مخصصة فيما سبق للولاة والعمال الذين أبانوا عن مستوى عال تدبيرا وتنزيلا للسياسات العمومية على أرض الواقع”.
وأورد المتحدث لهسبريس أن “من النماذج الناجحة في هذا الصدد تلك التي تتعلق برجال سلطة كانوا معينين بأقاليم الشمال والرباط والدار البيضاء، إذ يبدو أن هناك رهانا على تكرار التجربة بمختلف الجهات المغربية؛ فلدينا اليوم أطر مختلفة من كتاب عامين وباشاوات ورؤساء دوائر لا يمكن التغاضي عن المسؤوليات التي يكلفون بها، بمعنى أن تنقيلهم إلى مناطق أخرى سيكون لغرض الاستفادة من تجاربهم تحديدا”.
وربط الأكاديمي الباحث في العلوم السياسية الموضوع بسياقه المتعلق حسبه أساسا بـ”الحرص على تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي يراد منه إحقاق العدالة المجالية وتقليص الفوارق الاجتماعية”، ذاكرا كذلك أن “حركية رجال السلطة في الوقت الراهن مهمة بالنظر إلى الأوراش التي انخرط فيها المغرب؛ بما فيها استعداده لاحتضان كأس العالم، بما يفرض توفير كفاءات عالية من رجال السلطة لمواكبة تقدم الأشغال والسهر عليها”.
دماء جديدة
في المنحى نفسه سارت إفادة شريفة لموير، أستاذة العلوم السياسية، لافتة إلى أن “وتيرة التنقيلات والحركيات المتوالية التي تقوم بها وزارة الداخلية بخصوص أطرها من رجال السلطة، بمختلف توصيفاتهم ودرجاتهم، تبقى مطلوبة وصحية إلى حد معقول، خاصة أنها تعرف كذلك عمليات ترقية مهمة”.
واعتبرت لموير، في تصريحها لهسبريس، أن “مقاربة وزارة الداخلية في هذا الإطار تهدف إلى ضخ دماء جديدة في مصالحها الترابية بما يتلاءم مع الأوراش الكبرى التي باشرتها المملكة، إضافة إلى مجابهة التحديات التنموية التي يراهن عليها المغرب في السنوات المقبلة”.
كما لفتت إلى أن ما تقوم به أمّ الوزارات في هذا الصدد “يتوافق مع تهييئ الموارد البشرية الذي يعد عاملا مساهما في إنجاح المقاربة التنموية المغربية، فضلا عن تحفيز كفاءات الوزارة ذاتها وتعزيز الفرص ودعم جهود مسايرة التحديات التنموية التي انخرطت فيها المملكة المغربية”.
المصدر: وكالات