علمت جريدة هسبريس من مصدر مطلع أنّ ثلاثينيا يشتغلُ كحارس أمن خاص بمدينة جرادة أقبل على خياطة فمه كسلوك احتجاجي على ما وصفه المصدر بـ”الاستعباد”، الذي تتعرّض له فئة حراس الأمن الخاص من طرف مجموعة من الشركات التي تتعاقد مع مؤسسات خاصة وأخرى عمومية من الباطن.
أصل الحكاية
حسب المصدر عينه فإنّ الحارس “م.ب”، الذي يشتغل بالمستشفى الإقليمي لعوينات بإقليم جرادة، “أقدم على هذا الفعل بعد أن بلغ احتجاجه نفقا مسدوداً”، مضيفا أنّ “الشركة المشغّلة، المُتعاقدة مع المستشفى الإقليمي، تشغل هذا الحارس بمبلغ 2500 درهم صاف، بينما يتمّ التصريح به صندوق الضمان الاجتماعي بمبلغ الحد الأدنى للأجور بالمغرب، رغم أنه لا يتقاضاه فعليّا، أي إن مبلغ التصريح يتمّ اقتطاعه من أجرة الحارس”.
وأسرّت المتحدث ذاته بأنّ “هذا الحارس يشتغل بدون عقد عمل، هو وبعض زملائه من الحراس، كما هو الوضع مع معظم حراس الأمن الخاص بالمغرب”، مضيفا أنّ “درجة التّصعيد التي باشرها ‘م.ب’ عبر خياطة فمّه جاءت عقب تنظيم الحرّاس بمعية عاملات الطبخ والنظافة وقفة احتجاجية أمام مقرّ عمالة إقليم جرادة، مساء الثلاثاء، استمرت إلى غاية 01:00 بعد منتصف الليل”.
وتمكنت جريدة هسبريس من التّواصل مع الحارس “م.ب”، الذي قال شارحا: “أقدمتُ على خياطة فمي من الداخل بنفسي بعد العنف الذي مارسته السلطة المحلية علينا خلال ليلة الاعتصام بحضور العامل”، مؤكدا أنه “بعد فضّ الوقفة السّلمية بتلك الطريقة المهينة بلغ الشعور بالاحتقار مبلغا لم يعد محتملاً، فقررت أن أحتج بطريقتي، وبالتعبير عن كونهم منعوا حقي في التعبير عما أعيشه من ظلم في مهنتي”.
توضيح الشركة
من جهتها، قالت شركة “المعاد” المُشغلة للحارس “م.ب” إنه “يشتغل مع الشركة بمقتضى عقد، وأصل المُشكل معه، هو وبعض زملائه، يكمنُ في الحد الأدنى للأجور”، مردفة بأنّ “الصفقة مع المستشفى الإقليمي لعوينات بإقليم جرادة تمت على أساس الحد الأدنى للأجور السابق، بما أنها تم عقدها سنة 2020، أي قبل تفعيل العمل بحد أدنى جديد للأجرة بالمغرب”.
وشدّدت الشركة، في توضيحها لهسبريس، على أنها تواصلت مع مختلف الجهات بخصوص هذا الحارس، “لدفعه إلى استيعاب أن المشكل ليس في الشركة، فهي ذات أساس ربحيّ وتراعي مصالح اقتصادية معيّنة، بل المُشكل مع المستشفى الذي لا يُريد مراجعة الصفقة تبعا للحد الأدنى للأجور الجديد”، وزادت موضحة: “بعد هذه البلبلة طالبنا المستشفى الإقليمي لعوينات بالتّراجع عن الصّفقة، بعد أن بدا الأفق مسدوداً، لكن طلباتنا لمْ تلق تفاعلاً إلى اليوم”.
وأفادت الجهة ذاتها بأنّ “تدهور القُدرة الشّرائية لا يمس المعنيين فقط، بل يمسنا جميعا، لكنّ المُقتضيات القانونيّة واضحة، وتبين أنّ الصفقة سائرة على أساس الحد الأدنى للأجور، ونحن نشتغلُ في ظل القوانين المتوفرة”، مسجلة أنها بدورها تتضرر تبعا لهذه الزيادة في الحد الأدنى للأجور، نظرا لكونها “تخلق أعباء وتكاليف إضافية في الأجور، بما أننا نشتغل في صفقة تنتمي إلى معايير الأُجَراء السابقة”.
أوضاع مزرية
وعلقت لبنى نجيب، الكاتبة العامة للنقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصّة والنّظافة والطّبخ، المُنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بأنّ “هذا الملفّ، وغيره كثير، يجبُ أن يدفع الجهات المختصّة إلى إعادة النظر في مدونة الشغل الحالية، لكي تصبح لهؤلاء العمال في قطاع الحراسة أجور أعلى تحترم كرامتهم”، مطالبةً وزارة الشغل بالتدخل العاجل لمراجعة كافة أشكال التهميش التي تعيشها هذه الفئة.
وقالت نجيب، ضمن حديثها لجريدة هسبريس، إنّ “الوضع الضبابيّ الذي تعيشه هذه الفئة يجب أن يدفع الجهات الرسمية إلى مراجعة ساعات الاشتغال، بحيث يشتغل الآلاف منها أكثر من 12 ساعة في اليوم الواحد، وبلا أيّ تعويض”، مشددةً على أن “وضع قانون خاص بهذه الفئة يعدّ ضرورة ملحة ومطروحة على المشرع المغربي اليوم، وعلى أجهزة الرّقابة ومفتشية الشغل، في ظل اشتغال الكثيرين منها بلا عقود عمل”.
كما شددت النّقابية ذاتها على أنّ “التعاقد من الباطن، الذي يتم بين مؤسسات عمومية وشركات الأمن الخاص، يجب أن يراعي بشكل حاسم الأجور والتصريح في الضمان الاجتماعي، ووضع ذلك كشرط لاستمرار الصفقة”، خاتمةً بأنّ “الآلاف من الحراس يعيشون أوضاعا مزرية خطيرة، لا بد أن تجد حلا عادلاً ومنصفا، يكرس مغرب الحقوق والكرامة والعدالة”.
المصدر: وكالات