تستمر تطورات ملف “جريمة السعيدية” في التفاعل يوما بعد آخر؛ إذ رغم مرور أسبوع على إطلاق حرس السواحل الجزائري النار على مغربيين كانا قد ضلا طريقهما في عرض المياه الجزائرية خلال رحلة رياضية لـ”جيت سكي”، لم تخفُت بعد المطالب المدنية المغربية من فعاليات جمعوية وسياسية ونشطاء بمتابعة قضائية فعلية أمام المحاكم الدولية المختصة في مثل هذا النوع من القضايا التي تتدخل في تنظيمها أكثر من اتفاقية دولية صادقت عليها الجزائر.
وتسائل هذه النوعية من الوقائع مسؤولية والتزامات الطرف الموقع على هذه الاتفاقيات الدولية الملزمة بجميع بنودها، لا سيما مع إقرار وزارة الدفاع الجزائرية بمسؤوليتها في قتل الشابيْن في بيان رسمي، وهو ما يطرح السؤال: هل انتهكت الجزائر القانون الدولي، خاصة “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982” التي صادقت عليها الحكومة الجزائرية في 22 يناير 1996، خصوصا منها المادة 98 المتعلقة بـ”تقديم المساعدة لأي شخص وُجد في البحار معرضا لخطر الضياع”؟
كما تضع تفاصيل هذا الملف سلطات الجزائر في مواجهة عدم تطبيق مضامين “الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحريين” لعام 1979، و”الاتفاقية الدولية لحماية الحياة البشرية في البحر لعام 1974″، وهو ما أثاره صبري الحو، محام مغربي خبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء، في إفادات لهسبريس.
الجزائر خرقت أكثر من اتفاقية
الحو شرح لهسبريس أن “الجزائر خرقت فعلا القانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان، كما انتهكت اتفاقيات دولية مُلزِمة بتقديم العون وتوفير الإنقاذ وتضع واجبا يتجاوز الأخلاقي القانوني في حق وفي مواجهة الدول لإنقاذ حياة البشر بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى لكل من هو معرض لخطر الغرق في عرض البحر”، مشيرا إلى أن هذا “الالتزام يبقى عالقا بها إلى حين إيصاله (كل من هو معرض لخطر الغرق) إلى أقرب ميناء أو مكان وفقا للمنظمة البحرية الدولية؛ بحيث لا يتعرض لأي أذى أو يواجه خطرا إضافيا في ذلك الميناء”.
وأكد المختص في القانون الدولي والهجرة “عدم احترام الجزائر مضمون هذه الاتفاقيات التي وقعت عليها وأصبحت جزءا من قانونها الداخلي ما دام دستورها ينص على سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الجزائري ومراعاة تطبيقها بالأولوية”، مسجلا أن “الجزائر لم تنهج فقط موقفا سلبيا، بل إنها ارتكبت جريمة القتل العمد في حق هؤلاء الشبان”.
وتابع بأن “القضية مازالت في بدايتها، وتعقب المتهمين يتجاوز الفاعلين الأصليين إلى مشاركين ومساهمين من أعلى هرم السلطة”، ليخلص إلى أنه “في هذه الحالة، أتوقع أن تتعقد القضية أكثر لتتخذ مسارا آخر؛ لأن البحث سيتجه إلى أعضاء مجلس الأمن الوطني الجزائري، بمن فيهم الرئيس تبون والفريق الأول شنقريحة، وغيرهم، الذين أعطوا الأمر لإطلاق الرصاص منذ قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب، وفي أول اجتماع لهذا المجلس غداةَ إعلان قرار القطع”.
إمكانية المتابعة دوليا
“إذا كان موقف القضاء الجزائري سلبيا بحيث أصبح أداة في يد نظام العسكر الحاكم ولم يستطع توفير الأمن القانوني للضحايا”، فإن التساؤل الآن، يقول الحو، “مُنصَب أكثر حول الآليات والوسائل التي يملكها الضحايا بالمغرب وفرنسا ضد الجزائر من أجل القصاص بالإدانة والعقاب المناسب ضد الجناة”.
ونظرا لكون موقف قضاء الجارة الشرقية معروف بالنظر إلى المتابعة والإدانة التي قضى بها ضد بريء وضحية وعدم صيانة حقوقه (18 شهرا حبسا نافذا)، يضيف الحو، فإن “النظُم القضائية المقارنة تنص على وسائل بديلة يمكن سلكها لدرء إفلات الجناة من العقاب في إطار الاختصاص العالمي، وقد برز القضاء بعدد من دول أوروبا في هذا الاختصاص، بحيث يتحرك الادعاء العام بغض النظر عن ارتكاب الجريمة بالخارج أو كون المجرم ليس من مواطنيها لوضع اليد على القضايا المتعلقة بالتعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أو إذا كان الضحية من مواطنيها”.
وأكد المتحدث لهسبريس أن إمكانية المتابعة القضائية دوليا متاحة لفرنسا أيضا، فـ”الضحايا من مواطنيها، إضافة إلى اختصاص يؤول لقضائها تبعا لجريمة التعذيب”.
“جريمة مكتملة الأركان”
من جهته، أورد محمد الخشاني، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس مختص في قضيا الهجرة، أن “ما حصل في منطقة حدودية بحرية تظل غير متنازع عليها، جريمة بشعة تنطبق عليها توصيفات القانون الدولي المنظم للبحار والتنقل داخل مياهه الإقليمية”، مشددا على أنها “ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قوات هذا البلد، المفترض فيه أعراف حسن الجوار، إلى فتح النار وببشاعة على مواطنين عُزل تاهوا خلال ممارسة رياضة سياحية بالمنطقة”.
وتابع رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة، في حديث لهسبريس، بأن “تكرار مثل هذه الحوادث التي تُزهق فيها أرواح مغاربة مُسالمين، يعد انتهاكا خطيرا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة الجزائرية، يستدعي حل القضية بالطرق القانونية واللجوء إلى رفع الدعاوى الدولية ومتابعة مآلها؛ لأن الأمر تكرر مرارا مقابل مواقف مسالمة من طرف المغرب في كل واقعة”.
“انفعالية جزائية يُقابلها اتزان مغربي”
“الجزائر تبحث الانفعالية مقابل ردود مغربية طالما كانت محكومة بالعقلانية ومُتزنة إلى حد كبير”، يقول الخشاني، لافتا إلى “ضرورة وحتمية الذهاب بعيدا في هذا المنحى القانوني-القضائي من خلال القنوات الدولية المتاحة وعدم الاكتفاء فقط بموجات الإدانة والاستنكار التي رافقت جريمة السعيدية برصاص الجيش الجزائري، وهو ما سيضع حدا لهذه التصرفات الرعناء والمتطاولة على القانون كما الأخلاق”.
وزاد: “من الواضح أن هناك استسهالا خطيرا من طرف السلطات الجزائرية لعواقب جريمة قتل إنسان أعزل من دولة جار، وهو ما لا يجب أن يمر هذه المرة كأن لا شيء حدث”.
مراسلة غوتيريش والحشد لدعوى أمام الجنايات الدولية
في سياق متصل، من المرتقب في الأيام القليلة القادمة أن تقوم فعاليات مغربية مدنية ومحامون بمراسلة الأمم المتحدة والإعداد لدعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية، حسب ما أعلنت “مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم”، التي يرأسها الجامعي المغربي محمد الدرويش.
وفي بلاغ شديد اللهجة اطلعت عليه هسبريس، قررت الهيئة المغربية ذاتها “مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عبر رسالة مفتوحة توقعها شخصيات ومؤسسات مدنية”، معلنة عن “البدء في عمليات التشاور من أجل إنشاء جبهة من قوى المجتمع المدني والحقوقي من الجزائر والمغرب لرفع دعوى قضائية لدى المحكمة الجنائية الدولية وباقي المحاكم لمحاسبة المجرمين المنفذين لعملية قتل شباب مسالم كان يمارس رياضة مائية في منطقة حدودية غير متنازع عليها”.
ونددت “مؤسسة فكر” بـ”معاملات “قوات خفر السواحل الجزائرية” بكل مراحلها التي “انتهت باستخدام الرصاص والذخيرة الحية ضد أشخاص عُزل وغير مسلحين، وهو تعامل لا إنساني يخرق كل المواثيق والاتفاقيات الدولية المؤطرة”، مسجلة أنها “تتابع بقلق كبير واستياء شديد المعطيات المبنية على رواية الناجين”.
ودعت كل المؤسسات الدستورية، برلمانية كانت أم حكومية أم حزبية أم مدنية، إلى الترافع أمام الرأي العام الدولي لفضح سياسات النظام الجزائري تجاه المملكة المغربية، “التي تعبث بأخلاق العلاقات الدولية وعلاقات حسن الجوار، بل وتمس المشترك بين الشعبين الشقيقين تاريخا ولغة ودينا وثقافة، لتبرير سياساتها الفاشلة تجاه الشعب الجزائري الشقيق”.
المصدر: وكالات