مثل كابوس مخيف انقلبت حياة المواطنين القاطنين ببلدة تيفْنيت بإقليم اشتوكة آيت باها رأسا على عقب، بعد أن حلّ عامل الإقليم ومعه مسؤولو السلطة المحلية، بالبلدة، وأمْهلوا السكان خمسة أيام فقط لإفراغ بيوتهم بغرض هدمها.
القرار خلّف صدمة لدى السكان المحليين، الذين عمّروا المنطقة عقودا واتخذوا من البحر مورد رزقهم- بما يصطادونه من أسماك عبر قوارب الصيد التقليدية- وكذا من عائدات السياحة، حيث تعدّ تيفنيت من الوجهات السياحية في سوس.
قرار السلطات تم تعليله باستغلال المواطنين القاطنين بالبلدة للملْك البحري “دون ترخيص”، حسبما جاء في قرارات الإفراغ التي توصل بها المواطنون، والتي كان موضوعها: “إعذار للتوقف عن احتلال الملك العمومي البحري دون ترخيص وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه”.
الإعذارات الصادرة عن المديرية الإقليمية للتجهيز والنقل واللوجستيك باشتوكة آيت بها حملت في طياتها إنذارا مباشرا للمواطنين القاطنين بتيفنيت بـ”إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه داخل أجل 5 أيام”؛ كما أكدت المديرية أنها “تحتفظ بحقها في المتابعة القضائية والمطالبة بالتعويضات عن الاحتلال بدون ترخيص طبقا للقوانين الجاري بها العمل”.
وفي الوقت الذي يقترب العد العكسي للمهلة التي حددتها السلطات للسكان لإفراغ بيوتهم، ما زال هؤلاء تحت تأثير الصدمة، في ظل عدم معرفة مصيرهم، وهو ما عبر عنه “إ. ب”، أحد قاطني البلدة، بقوله: “إنهم يريدون رمينا إلى المجهول”، مبرزا أن السلطات لم تقترح عليهم أي بديل أو تعويض عما سيلحقهم من أضرار.
وبينما تدنو ساعة شروع الجرافات في محو بلدة تيفنيت من الوجود، قال عبد الله مهماوي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان باشتوكة آيت بها، إن المساكن التي شيّدها المواطنون القاطنون بالمنطقة “بُنيت منذ عقود، في واضحة النهار وأمام أنظار السلطات، وما زال البناء مستمرا إلى اليوم، وهناك بيوعات عبر مساطر قانونية”.
وأضاف مهماوي، في تصريح لهسبريس، أنه حتى في حال كان قاطنو المنطقة يحتلون الملك البحري دون ترخيص، فإن “الدولة هي التي تتحمل المسؤولية لعدم توفير الحماية للأراضي التي خلفها المستعمر، وتركت المواطنين ينفقون أموالهم في البناء عليها، وتكوين أسَر، وبين عشية وضحايا تُمهلهم خمسة أيام لإفراغ بيوتهم”.
وأردف أن السطات كان عليها أن تجلس إلى طاولة الحوار مع الساكنة من أجل الوصول إلى حل مُنصف، “ولو كان هناك حوار لوجدوا حلا”، مشيرا إلى أن “نسبة كبيرة من سكان تيفنيت يعيشون بما يكسبونه من العمل في البحر، وإذا نزعْت صيادا من البحر فهذا لا يعني فقط أنه سيفقد مصدر عيشه، بل سيتعرض للتشرد لأنه لا يعرف عملا آخر غير الصيد، وهناك أشخاص كبار في السن يعيشون من أعمال بسيطة كبيع فواكه البحر”.
ويروج أن سبب إقدام السلطات على هدم بلدة تيفنيت هو إنجاز مشروع استثماري كبير، وهو ما اعتبره مهماوي “أمرًا جيدا، لكن يجب ألا يكون على حساب مصلحة المواطنين”.
وخلال اليومين الماضيين حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعبيرات رافضة لقرار إفراغ بلدة تيفنيت من سكانها الأصليين وهدمها، ومطالبة السلطات بالحفاظ عليها لما لها من رمزية تاريخية.
وفي هذا الإطار قال الباحث محمد بازي إن “تيفنيت قرية سياحية جميلة من حقّها أن تؤهل تقنيا وعمرانيا وأمنيا، وتُعَمَّر وتُحَسَّن لأنها تراث ثقافي وسياحي وطني وعالمي، وهي تاريخ مشترك لكل أبناء سوس، وملتقى الثقافات العالمية، كما من حقها أن تُؤَهَّل وأن يُعنى بأهلها، وبمَنْ فيها، لا أنْ تُهدَّم”.
وأضاف، في منشور على صفحته بـ”الفيسبوك”، “نعم للتنمية والتأهيل مع الحفاظ على القرية السياحية البديعة، فقد بناها البَحّارة بسواعدهم أواسط القرن الماضي، وهي إرث ثقافي وروحي لكل من جاء بعدهم. إنها ذاكرة حية ومَعْلمة فريدة، وهي قِبلة سياحية عالمية ورافد اقتصادي، وعلامة تجارية مفيدة لأي مشروع تنموي يمكن أن يجاورها لا أن يبتلعها، ولذلك تستحق العناية والاحتفاظ بها، وهدمها خسارة كبرى وكارثة لن ينساها التاريخ”.
المصدر: وكالات