أثارت واقعة استخلاص مستحقات حقوق المؤلفين من مقهى بمدينة تازة سجالا قانونية بشأن عدم أحقية أعوان المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في استخلاص مستحقات حقوق المؤلفين من لدن المقاهي مباشرة.
وفي هذا الصدد، انتقد الدكتور عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، انتقائية التحصيل، موردا أنه خلافا للاعتقاد السائد بأن جداول الاستخلاص المتعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تقتصر على المقاهي والمطاعم، فإنها في الواقع تُطبق على نطاق أوسع يشمل مختلف الفضاءات التي تُبث فيها الموسيقى، ويأتي في مقدمة هذه الفضاءات الحفلات الموسيقية والمرافق الترفيهية، وتُحتسب الرسوم بناء على نسب مئوية من مداخيل بيع التذاكر، مع اختلاف هذه النسب وفق طبيعة الأداء الموسيقي، سواء كان موسيقى حية يؤديها عازفون، أو أداءات معتمدة على تسجيلات ميكانيكية.
وذكر مودن أن هذا النظام يشمل أيضا الأداءات الموسيقية المسموعة بصفة ثانوية، إضافة إلى الأداءات الموسيقية السمعية البصرية. وتُدرج ضمن هذا الإطار مجموعة واسعة من الفضاءات، مثل المحلات التجارية الكبرى والمتوسطة والصغرى، وحافلات النقل العمومي التي تفوق طاقتها 9 ركاب، وكذا سيارات النقل العمومي التي تتراوح طاقتها بين راكب واحد و9 ركاب، فضلا عن مختلف المحلات المعدّة لتقديم الخدمات.
وأورد رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الفضاءات تخضع لتعريفة سنوية محددة وفق معايير تشمل المساحة والنوع والدرجة، وتتراوح مبالغها ما بين 150 درهما و9600 درهم.
وأضاف أن التعريفة تُفرض أيضا على محلات “السوبيريت”، ومحلات بيع الأحذية، والأثواب، والألبسة، والمجوهرات، والمواد الغذائية وغيرها، كما تشمل كذلك قاعات الرياضة، وقاعات الحلاقة، والنوادي الترفيهية، والمقاهي، والمقشدات، وقاعات الشاي، والمخبزات، والمطاعم. وتمتد لتشمل مكاتب المحاماة، ومكاتب التوثيق، والعيادات الطبية والبيطرية، ومختبرات التحاليل الطبية والصيدليات، وقاعات التجميل والترويض؛ إذ تعتبر جميعها خاضعة لهذه التعريفة.
وأشار مودن إلى أن واجبات وتعريفات حقوق المؤلف تشمل مستغلي القاعات السينمائية والنوادي السينمائية، والعروض المناسباتية، والعروض المسرحية، والعروض المختلطة، والحفلات الموسمية، وعروض السيرك، والمركبات الترفيهية المتنقلة، وسيارات الإشهار، وفق نسب مئوية محددة بموجب قرار تطبيقي للقانونين المشار إليهما سابقا.
وأبرز أن التعريفات تمتد إلى هيئات البث الإذاعي والتلفزي بنسبة تتراوح بين 3 في المائة و4 في المائة من مداخيل الإشهار، وإلى الانتظارات الهاتفية بتعرفة سنوية تتراوح بين 300 و3000 درهم حسب عدد الخطوط الهاتفية، بالإضافة إلى تحميل الرنة الهاتفية بنسبة 5 في المائة.
كما تشمل التعريفات المطارات، ومحطات الطائرات، ومحطات القطار، والموانئ، بمبالغ جزافية تتراوح بين 4100 درهم و80000 درهم سنويا، وفق عدد الركاب، وعدد الطائرات أو الرحلات، وعدد المقاعد، وثمن المقعد، ومعامل امتلاء المقاعد، وذلك بالنسبة للنقل الجوي والبحري والسككي، حيث تُحتسب هذه المبالغ وفق المعايير السابقة لضمان دقة التقييم.
وشدد المتحدث على أن التعريفات والواجبات تطال مجموعة من الأنشطة ولا تقتصر فقط على المقاهي، غير أن الملاحظ هو غياب الوعي القانوني بالعديد من هذه المقتضيات، التي يجهلها أغلب المواطنين المغاربة، سواء كانوا مهنيين أو غيرهم، بمن فيهم بعض القانونيين، مرجعا ذلك أساسا إلى ضعف التواصل من جانب المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، فضلا عن القطاع الوصي، المتمثل في وزارة الشباب والثقافة والتواصل، التي ينبغي أن تبذل جهودا أكبر للتواصل مع الفئات المعنية، سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال تنظيم قوافل توعوية وتحسيسية.
ودعا مودن الجهات المسؤولة إلى الاسترشاد في هذا المجال بما يقوم به منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية سنويا، من خلال القافلة التواصلية لقانون المالية، التي توضّح وتبسّط مقتضيات قانون المالية للمواطنين، بهدف تحفيز المواطنين على أداء هذه الحقوق، وتفادي العديد من المنازعات التي قد تنشأ عند استخلاصها جبريا.
التأصيل القانوني
لفهم الجدل القائم، طالعت هسبريس القانون رقم 2.00 الصادر بتاريخ 18 ماي 2000 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تعديله بالقانونين رقم 34.05 و 79.12 الصادرين على التوالي في 20 فبراير 2006 و9 يونيو 2014، وخصوصا المادة 60 التي عهدت للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين بمهمة حماية واستغلال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومنحت الصندوق حق التقاضي، إضافة إلى تنصيصها على أن أعوان المكتب المحلفين مؤهلون لمعاينة المخالفات لأحكام هذا القانون، وحجز المسجلات الصوتية والسمعية البصرية وكل وسائل التسجيل المستعملة وكل المعدات التي استخدمت في الاستنساخ غير القانوني.
وأحدث المكتب المغربي لحقوق المؤلفين بموجب المرسوم رقم 2.64.406 الصادر في 8 مارس 1965، الذي تم تحويله بموجب القانون رقم 25.19 الصادر في 11 غشت 2022 إلى هيئة للتدبير الجماعي في شكل شخص اعتباري خاضع للقانون العام، يتمتع باستقلال المالي تحت مسمى “المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة”، وكان الفصل الخامس من مرسوم 8 مارس 1965 ينص على أن المكتب يتولى القيام وحده باستخلاص وتوزيع مختلف حقوق المؤلفين الموجودة حالا واستقبالا.
وتنص المادتان 2 و5 من القانون رقم 25.19 على أن المكتب يتولى استخلاص مستحقات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، المتعلقة باستغلال المصنفات والأداءات، وكذا تلك المتعلقة بالاستنساخ الآلي، ومستحقات النسخة الخاصة، والمستحقات المرتبطة باستعمالات تعابير الفولكلور، طبقا للنصوص الجاري بها العمل، وتوزيع مستحقات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المستخلصة على أصحاب الحقوق طبقا لأحكام الباب الثالث من هذا القانون. وأضافت المادة 17 أن مدير المكتب يسهر على استخلاص حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتوزيعها باسم المكتب.
وقال رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية إن قيام أعوان المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة باستخلاص الرسوم يطرح في حد ذاته إشكالات واقعية وعملية قد تُدخلهم في احتكاك مباشر مع المواطنين، كما يثير إشكالات قانونية تتعلق بصفة هؤلاء الأعوان ومدى أحقيّتهم في مباشرة إجراءات التحصيل وتسلم المبالغ المفروضة من المواطنين.
وأوضح المتحدث أن المادة 18 من القانون المحدث للمكتب وإن كانت تُسنِد إلى مديره صلاحية استخلاص الحقوق، وتُجيز له تفويض بعض سلطه وصلاحياته لمستخدمي المكتب، فإن هذا المقتضى لا يكفي قانونيا ولا محاسباتيا لتمكين الأعوان من مباشرة مهام التحصيل فعليا.
وشرح أن مدير المكتب يُعتبر آمرا بالصرف بموجب المادة 29، وليس محاسبا عموميا، مبرزا أن هذا الأخير يُعين بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وهو المخول قانونا بممارسة الاختصاصات المقررة للمحاسبين العموميين، ومنها مباشرة إجراءات التحصيل وفقا لما تنص عليه الأنظمة والقوانين الجاري بها العمل.
أكد الدكتور عثمان مودن أن الاستناد إلى المادة 60 من القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في تبرير عمليات الاستخلاص التي يقوم بها أعوان المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، هو استناد في غير محله، وذكر أن هذه المادة تمنح للأعوان المحلفين صلاحية معاينة المخالفات وتحرير المحاضر، ولا تخول لهم إمكانية ولا مهمة استخلاص المبالغ المترتبة عن الواجبات والحقوق والتعريفات المفروضة.
وأضاف أن مباشرة بعض أعوان وأطر المكتب عمليات الاستخلاص تشكل في عدد من الحالات مخالفة صريحة لقواعد التدبير الميزانياتي والمحاسباتي، بالنظر إلى أن هذه المهام من اختصاص المحاسبين العموميين دون غيرهم.
وتابع الدكتور مودن بأنه حتى في الحالات التي لا يتم فيها استخلاص المبالغ مباشرة من طرف الأعوان في عين المكان، فإن دعوة المواطنين للأداء عبر حساب بنكي مفتوح لدى مؤسسة بنكية خاصة يظل أمرا يثير تساؤلات قانونية جوهرية، مادام المكتب يعدّ شخصا اعتباريا خاضعا للقانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي، الأمر الذي يفترض خضوع عملياته المالية للقواعد والضوابط العامة للتدبير العمومي، وأكد أن عائدات تحصيل هذه الحقوق تظل غير واضحة المعالم، بالنظر إلى غياب تقارير دورية تبيّن حصيلتها السنوية وتتابع تطورها وقيمة المبالغ التي تُستخلص في إطارها.
وشدد المتحدث على أن أداء هذه الواجبات إذا كان مؤسسا قانونا وملزما للجميع، فإن مسطرة الاستخلاص والجهات المخول لها القيام بها وكيفية إيداع المبالغ المحصلة تظل بحاجة إلى مراجعة دقيقة وتوضيح أكبر، بما ينسجم مع مبادئ حكامة التدبير الميزانياتي والمحاسباتي القائمة على الشفافية والنجاعة.
وتساءل حول مدى تعميم فرض واستخلاص هذه التعريفات المتعلقة بحقوق المؤلف على جميع الفئات المعنية المشار إليها سلفا، ومدى توفر المكتب فعلا على الوسائل البشرية والإدارية الكفيلة بضمان عدالة عملية الفرض والتحصيل.
وختم مودن تصريحه متسائلا: “أليس من الأنسب أن يمارس المكتب دوره كآمر بالصرف فقط ويعهد بتدبير عملية التحصيل للمحاسبين العموميين المختصين، ضمانا لفعالية أكبر في الاستخلاص، وتفاديا لما قد ينشأ من منازعات أو إشكالات قانونية مرتبطة بالإجراءات الحالية؟”.
الرأي الآخر
في المقابل، قال مولاي أحمد العلوي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمنظمات الفنية، إن الملكية الفكرية معترف بها دوليا، ومن ضمنها مجال الإبداع الفني، موضحا أن كل عمل إبداعي يظل ملكا حصريا لمبدعه، ولا يجوز استغلاله من دون ترخيص مسبق، وإلا اعتُبر ذلك سطوا على حقوقه.
وأضاف رئيس النقابة المغربية للمهن الموسيقية، في تصريح لهسبريس، أن المكتب يضمن حقوق المؤلفين وذوي الحقوق؛ إذ يتولى أعوانه استخلاص المستحقات المترتبة عن استغلال أي عمل فني أو موسيقي في مختلف الأنشطة والمجالات، مع تمكين المستغلين من وصل يثبت الأداء. وشدد في السياق ذاته على حق المعنيين في مطالبة الأعوان بهوياتهم وبطاقاتهم المهنية، كما يجوز لهؤلاء الأعوان الاستعانة بعناصر الأمن ورجال السلطة لاتخاذ الإجراءات المخولة لهم قانونا وتحرير المحاضر اللازمة.
وبخصوص ما يثار حول عدم إيداع هذه الأموال بالخزينة العامة، أوضح المتحدث أن المبالغ التي يتصرف فيها مكتب حقوق المؤلف والحقوق المجاورة هي أموال خاصة تعود لأصحاب الحقوق، ولا تندرج ضمن الميزانية العامة للدولة، مؤكدا أن هذا الإطار القانوني معمول به في عدد من الدول التي تعتمد الصرامة في مواجهة الاستغلال غير المشروع.
ونفى العلوي وجود أي انتقائية في تطبيق هذه المقتضيات، مشيرا إلى أن الأداء يشمل مختلف الأنشطة والمجالات، بما فيها المسارح الليلية والكباريهات ووسائل النقل وغيرها.
المصدر: وكالات
