رصد تقرير حديث صادر عن “مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية” ارتفاع عدد النازحين وطالبي اللجوء في قارة إفريقيا خلال العام الماضي بما نسبته 14 في المائة، ليستقر عند 45 مليون شخص، مرجعا استمرار ارتفاع موجات النزوح الداخلي في اتجاه المناطق الآمنة إلى الصراعات السياسية والعسكرية التي تشهدها القارة السمراء، على غرار الصراع في السودان الذي سجل زيادة في أعداد النازحين قدرت بأكثر من 5 ملايين شخص خلال العام المنصرم.
وأشارت الوثيقة ذاتها إلى أن تسع دول إفريقية، هي: السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال ونيجيريا وإثيوبيا وجنوب السودان وبوركينا فاسو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى، تستأثر لوحدها بما نسبته 90 في المائة من أعداد النازحين في عموم إفريقيا، متوقعة في الوقت ذاته حدوث المزيد من التحركات السكانية في كل من النيجر ومالي نتيجة الوضع الأمني والاقتصادي الذي تعيشه هاتان الدولتان.
وتساهم الهشاشة الأمنية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مجموعة من البلدان الإفريقية في تصاعد موجات النزوح الداخلي ومن ثم الخارجي في اتجاه دول أخرى، خاصة بلدان شمال إفريقيا التي تعرف استقرارا أمنيا وتعد بلدان عبور بالنسبة للعديد من المواطنين الهاربين من جحيم الحروب والمجاعات والباحثين عما بات يعرف في أوساطهم بـ”النعيم الأوروبي”.
ويفرض استمرار هذا الوضع ضغوطا أمنية كبيرة على دول العبور، على رأسها المغرب الذي أصبح يفضله العديد من المرشحين للهجرة السرية من أجل الوصول إلى أوروبا عبر طريق غرب إفريقيا، وهو ما أكدته بيانات حديثة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” تبرز ارتفاعا في موجة الهجرة غير النظامية عبر المغرب في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بأكثر من 124 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ولتفكيك تأثيرات هذه التحركات السكانية على المغرب، أوضح عبد الكريم بلكندوز، باحث في قضايا الهجرة، أن “الأسباب الأمنية تشكل دافعا لهجرة مجموعة من المواطنين الأفارقة، خاصة الشباب منهم، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية التي لا يمكن إغفالها في هذا الجانب، على اعتبار أن الوضع الاقتصادي كان دائما محركا لحركة الهجرة غير النظامية ليس فقط في إفريقيا بل في جل الدول المصدرة للمهاجرين”.
وأضاف بلكندوز، في تصريح لهسبريس، أن “موجات النزوح داخل إفريقيا تجد لها تفسيرا في حرية التنقل بين بلدان الاتحاد الإفريقي المؤطرة قانونا بموجب لوائح هذه المنظمة. وعليه، فإن المغرب باعتباره عضوا في هذا الاتحاد، من الطبيعي أن تطاله هذه الموجة”، مشيرا إلى أن “المملكة المغربية هي نفسها بلد مصدر للمهاجرين، غير أن المنظور الغربي للهجرة غير النظامية من إفريقيا يقرؤها قراءة محض أمنية ولا يعالج أسبابها الحقيقة، وإنما يبحث فقط عن حلول لنتائجها”.
وسجل المتحدث أن “السياسة الوطنية للهجرة واللجوء تجاوزت هذا المنظور الأمني إلى منظور إنساني تترجمه تسوية الوضع القانوني لمجموعة من المهاجرين غير النظاميين والاعتراف بحقوقهم في الشغل والتطبيب وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة”، موضحا أن “هذه السياسة المغربية يجب أن تستمر وأن تشكل نموذجا قاريا في إدارة ملف الهجرة واللجوء”.
وتابع بلكندوز بأن “الدول الغربية ترى الهجرة غير النظامية خطرا أمنيا، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف والمصادقة على الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء، وتريد أن تفرض هذا المنظور على المغرب وتحوله إلى دركي لصد موجات الهجرة القادمة من إفريقيا، وهذا ما ظلت ترفضه المملكة، غير أنها في الآونة الأخيرة ربما بدأت تجنح لاتجاه آخر، خاصة في ظل فرض تأشيرة على بعض المواطنين الأفارقة على غرار المواطنين الإيفواريين، وهذا يضرب في العمق السياسة المغربية على هذا المستوى، حيث إن التحركات الديمغرافية داخل المجال القاري هي هجرة إفريقية –إفريقية، وليس كما يروج لها الغرب كونها تنطوي على أخطار على الأمن القومي والاقتصادي الغربي”.
المصدر: وكالات