غير بعيد عن دوار “تنيرت” تظهر صور ما تبقى من ركام دوار “أزكور” بإقليم الحوز، حيث تراقب أجسام من بقي على قيد الحياة من السكان آثار الدمار القوي الذي شمل منازلهم.
الطريق الذي يفصل الدوار إلى شقين لا تكاد عجلات سيارات المواطنين المغاربة الحاملين للمساعدات الغذائية للدواوير الأخرى تختفي منه، وبقربه تفترش نساء الدوار الأرض آملات غدا أفضل، وحاملات في الوقت ذاته هموم ما بعد الزلزال.
تشكل الخيام أول مطلب للساكنة التي تراقب السماء خوفا من مطرها الزهيد، الذي بات من أعداء منازلها حتى قبل الزلزال، إذ تقول كريمة (ستينية) لهسبريس: “نريد منزلا لائقا، لم يعد مريحا أن نفترش الأرض، فالبرد هنا ليلا قوي ولدينا أطفال صغار لا يحتملون، ونحن خائفون من حلول المطر في الأيام القادمة”.
ونجت غالبية الساكنة هنا من “الموت المحقق”، فيما لفظ ثلاثة منها الأنفاس، وهذا أمر نادر بين كومة الدواوير المهشمة في جماعة “أزكور”، التي أبقت جثثا بلا حصر مدفونة تحت الركام.
قصة النجاة هاته يفسرها أحد أبناء الدوار بالقول: “سمعنا الهزات وكنا محظوظين تلك الليلة بأننا لم ننم باكرا. فجأة اهتزت بنا الأرض بشكل لا يصدق وهرعنا نحو الخارج جميعا؛ فيما نشاهد منازلنا تهوي واحدا تلو الآخر، لتأخذ الهزة أرواح ثلاثة منا فضلوا النوم باكرا كما هي عادتهم”.
أخذنا الناجي إلى منزله المدمر، ليشير بأصابعه إلى البيوت، مسترجعا ذكريات العائلة، ومضيفا لهسبريس: “هذا البيت الكبير كان يأوي عائلتي، وسقفه سقط على ثلاثة من أطفالي، لكننا نجونا رغم ذلك”.
ومن بين جملة المشاكل التي أفرزها زلزال الحوز في الحياة الجديدة لساكنة أكوز هو مكان قضاء الحاجة، إذ يورد المتحدث ذاته: “نقضي حاجتنا في منبسط خال من الركام، لكن ذلك لا يتم في راحتنا، فنحن نخاف ظهورنا للأخرين، وبه نطالب أيضا بأماكن لقضاء الحاجة ضمن قائمة المساعدات”.
“نريد بشكل عام منزلا للعيش بشكل كريم. لم تعد المساعدات الغذائية كافية لسد هول فاجعتنا، فحقولنا التي كنا نعيش منها حتى هي لقيت نصيبها من تبعات الزلزال”، يقول المتحدث ذاته، وزاد: “حياتنا تغيرت في ثوان، حتى المسجد الذي كنا نجد فيه راحتنا خرب بالكامل”.
هذا المسجد الذي كانت تجتمع فيه أقدام رجال الدوار لأداء الصلاة تحولت محتوياته إلى أفرشة للضحايا الناجين، ورغم خطر بنايته الآيلة للسقوط يؤمن السكان باستحالة سقوطه مستقبلا، متخذين من باحته مكانا جديدا لأداء صلواتهم الخمس، التي لا بد أن تحمل دعاء للراحلين.
تقول المسنة كريمة: “إن السلطات قدمت لنا الأفرشة والأغذية، وهو حال المحسنين المغاربة الذين قدموا من جل مدن المملكة، لكننا في حاجة إلى مستقبل لحياتنا، نريد مسكنا، نريد خيما في الوقت الحالي حتى نقي أنفسنا من شر البرد. لا نريد أن نعيش على وقع حسابات حصص الأكل والأغذية كل ساعة”.
ويبقى السكان الناجون على قيد الحياة بفضل وجبتين، الأولى في الصباح، والثانية في المساء، وإذا كثر كرم المحسنين فإن الغذاء وجبة منتظرة، وإذا اشتد الحال فإن الشاي حل قائم بذاته”، هذا حال ساكنة أكوز الجديد.
“إدوم الخير، إدوم الخير”، كلمات أمازيغية تبعث الأمل وسط نساء أكوز، ومن جهة “الصبر أمام الفاجعة الاستثنائية”، التي تخفف بشكل تدريجي من وطأتها قيم تضامن المغاربة، فحلول سياراتهم يبعث الفرحة مع أول إشارة.
“شكرا لجميع المحسنين والسلطات على دعمنا، فنحن الآن لنا الفطور والعشاء، وقبلها بعد ساعات من الزلزال لم يكن لدينا أي شيء لنسد به رمقنا”، تقول إحدى المسنات الناجيات من موت زلزال الحوز.
وأنت تبتعد عن دوار أكوز تبعث فيك سيارات الوافدين أملا في بقاء الساكنة على قيد الحياة، لكن صور الدمار الحاصل وغياب المأوى ومطالب المستقبل تبعث تساؤلات حول طبيعة هاته الحياة.
المصدر: وكالات