يواصل الباحث في التاريخ والفكر السياسي امحمد جبرون شغبه الفكري والبحثي من خلال إصدار جديد أعلن عنه عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، سيعرض لأول مرة في معرض الكتاب الذي تستعد العاصمة الرباط لاحتضانه مطلع يونيو المقبل.
الكتاب الجديد لجبرون جاء تحت عنوان “الملكية في أفق جديد.. أسئلة الدين والديمقراطية والنموذج التنموي”، ويبدو مثيرا لفضول القارئ من خلال عنوانه، إذ يعتبره صاحبه مساهمة جديدة في تنشيط الإصدارات الخاصة بالفكر السياسي المغربي التي قال عنها إنها تراجعت في السنوات الأخيرة.
ويدافع جبرون في كتابه الجديد عن فكرة محورية هي الانتقال من الدولة الأمة إلى الدولة الحضارة التي يعتبرها ملائمة للمغرب من خلال الإمكانيات الثقافية والتاريخية التي يزخر بها وتجعله قريبا من هذا النموذج، بعيدا عن نموذج الديمقراطية الليبرالية الغربية الذي يصعب، في نظره، استنساخه في المغرب.
في ما يلي نص الحوار:
أعلنتم عن إصداركم الجديد الموسوم بـ”الملكية في أفق جديد.. أسئلة الدين والديمقراطية والنموذج التنموي”، ما هي الفكرة العامة للكتاب؟
هذا الإصدار هو في الواقع محاولة للمساهمة بنص فكري سياسي، يهم الفكر السياسي المغربي الذي يعيش في الراهن ربما نوعا من التراجع والضمور في الإنتاج الفكري والسياسي. هناك وفرة في الدراسة والبحث في العلوم السياسية ولكن الفكر السياسي فيه نوع من التراجع، وهذا النص مساهمة في تطوير النقاش في هذا الإطار.
وهو نص تفاعلي فيه شيء من الجدل مع عدد من القضايا التي أثيرت في السنوات والعقود الأخيرة، خاصة ما بعد الاستقلال، المرتبطة أساسا بالدين في علاقته مع الدولة وإشكالية الديمقراطية ومعضلة الدمقرطة في المغرب، ثم نموذج الدولة المغربية الذي يظهر النقاش في كل مناسبة حوله، وهذا بصفة عامة هو الإطار العام للكتاب.
ماذا عن الانتقال من الدولة الأمة إلى الدولة الحضارة الذي تحدثتم عنه في تقديم الكتاب؟
الدولة الأمة عموما هاجسها بالأساس مرتبط بالسيادة والديمقراطية وممارسة السلطة ومشروعية هذه السلطة، ومرتبط كذلك بالتقاليد الحداثية، والليبرالية بالدرجة الأولى، دائما مرتبطة بمشروعية السلطة وعنف السلطة وغير ذلك. أما مفهوم الدولة الحضارة فهو اتجاه جديد في الفكر السياسي العالمي والإنساني يركز بشكل كبير على المفهوم الثقافي للدولة، والدولة شأنها شأن سائر الكيانات والإنتاجات.
والدولة مفهوم ثقافي مرتبط ببيئة معينة، ولا يستطيع أن يتخلص من آثار البيئة التي يظهر فيها. والدولة المغربية، شئنا أم أبينا، تبقى في جميع الأحوال تحمل آثار البيئة الثقافية والسياسية التي نشأت فيها، وبالتالي من الصعب جدا استنساخ الدولة الديمقراطية الغربية أو الدولة الليبرالية الغربية وتطبيقها بشكل حرفي على النماذج السياسية في العالم العربي، ومن بينها المغرب، لا بد من مساهمة ما وأثر معين للبيئة. إذن البيئة السياسية عندها أثر وتأثير في بلورة شكل الدولة والثقافة السياسية للدولة.
هل نفهم من كلامكم أن الكتاب يدعو المغرب لاعتماد نموذج الدولة الحضارة؟
صحيح. في نهاية المطاف هذا النص يدافع على أن من حقنا في البلدان الثالثية وفي المغرب أن يكون لنا نموذج سياسي متفرد يحمل آثار البيئة السياسية المغربية.
ما هي المقومات التي ارتكزتم عليها في بناء هذا التصور وكيفية تنزيله في المغرب؟
المقومات هي التجارب الدولية، لأن الكثير من التجارب الدولية السياسية الناجحة في العالم هي ناجحة بتأقلمها مع بيئتها وثقافتها المحلية. وعلى العكس من ذلك، محاولة تقليد النموذج السياسي الغربي بشكل ميكانيكي أدت في كثير من الحالات إلى دمار العديد من الدول والتجارب، وبالتالي لا يمكن في مجتمعات قبلية أن نبحث عن الديمقراطية الليبرالية، ولا يمكن في مجتمعات تحمل ثقافة سياسية فيها الكثير مما هو “ديني” و”ثقافي إثني” أن تنجح فيها الديمقراطية الليبرالية بالشكل الذي نعرفه.
وهذه التجارب الدولية تؤكد بشكل أو بآخر أنه كلما كانت الدولة متأقلمة ومتكيفة مع بيئتها الثقافية والسياسية كانت ناجحة وفعالة ومنتجة، وربما النموذج الصيني يضرب به المثل في هذا الجانب، فالدولة الصينية هي دولة حضارة وهكذا تقدم نفسها للعالم، والهند بصورة أو بأخرى تحاول أن تقدم نفسها بالتعريف نفسه، أيضا الغرب، ولو أنه ينكر ذلك بهدف تعميم نموذجه وهو في الجوهر دولة حضارة.
وانطلاقا من ذلك كله، لا يمكن أن نتجاهل موروثنا الثقافي والسياسي في بناء نموذجنا الدولتي، وبالعكس يجب أن نعمل على استثماره استثمارا جيدا.
هل يشكل الكتاب إجابة عملية على التخبط الذي يعيشه المغرب على مستوى تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي ظل ينشده منذ عقود؟
ببساطة، مفهوم الانتقال الديمقراطي لما تم تشكيله في المغرب، تم تجاهل هذه المعطيات الثقافية المحلية والموروث السياسي المحلي، فلا يمكن أن نفكر في ملكية في المغرب تشبه ملكية إسبانيا أو هولندا على سبيل المثال، وذلك لأسباب كثيرة جدا.
فلا يمكننا التفكير في مجتمع سياسي في المغرب يشبه المجتمع السياسي الذي نراه مثلا في فرنسا، وبالتالي هناك خصوصيات ثقافية وتاريخية، وهناك لا شعور سياسي مرتبط بالتقاليد العريقة التي يرثها المغاربة أبا عن جد، دون أن يدركوا حتى هذه التقاليد والخلفيات، وهذه الأمور كلها لها أثر في السياسة وفي تحديد مسار السياسة. وأعتقد أن الحلقة المفقودة في الفكر السياسي المغربي في كل العقود السالفة، هي الجانب المتعلق بأثر الثقافة المحلية والموروث في بناء ديمقراطية محلية، وبناء دولة حديثة في المغرب.
هل ترى أن هذا التصور قابل للتحقق في المغرب؟
هي وجهة نظر في نهاية المطاف يبقى عندها هذا الطموح وكون هذه الفكرة لها ما يصدقها على مستوى الممارسة اليوم في المغرب، خاصة على مستوى الدولة بشكل أو بآخر، هناك ميل نحو هذا النموذج الذي يحقق ربما نتائج ولديه فعالية أكبر على المستوى التنموي والاقتصادي وغير ذلك من الأشياء.
المصدر: وكالات