أحيت مدينة مراكش احتفاليتها بمناسبة اختتام فعالية “مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024″، يومي 6 و7 دجنبر، وفق تقرير توصلت به هسبريس، بندوة علمية في رحاب جامعة القاضي عياض، تناولت مواضيع علمية، هي: “من تاريخ الجامعة اليوسفية: معارف وأعلام”، “جامعة القاضي عياض النشأة والاستمرار”، “رجال تحملوا خطة الوزارة في تاريخ مراكش”، “من تاريخ القضاء والمحاماة: بين الحماية والاستقلال”، “من تاريخ الطب في القديم والحديث في مراكش”، “أعلام من شعراء مراكش”، “رصد لأعلام الصناعة التقليدية بمراكش”، “من سمات الحضارة والتمدن في بمراكش”.
وكرم في هذا الجو العلمي من أعلام الوزراء “أحمد التوفيق، امحمد الخليفة، عبد الله بلقزيز، الطيب الشكيلي، محمد الكنيدري”، ومن “أعلام القضاء والقانون والمحاماة: بشرى العاصمي، عبد الإله المستاري، توفيق بن سليمان، أحمد البازي”، ومن الأطباء: “البروفيسور نادية المنصوري، البروفيسور أحمد القريصة، البروفيسور عبد الرحيم الوارزازي، البروفيسور إدريس الموسوي، د. زكية بن عبد الرازق، د. محمد اجبيح”، ومن أعلام الجامعة: “د. مصطفى الشابي، د. عبد الغني أبو العزم، د. حسن جلاب، د. عباس الرحيلة، د. محمد الطوﮔـي، د. عبد الصمد بالكبير، د. عبد العزيز جسوس، د. مولاي الطاهر العلوي، د. محمد ولد بن عزوز”، ومن أعلام التربية والتعليم: “ذ. مولاي عبد السلام الجبلي، ذ. محمد بن عبد الجليل بلقزيز، ذ. عبد الرحمن الزيات، ذة. خديجة أولاد العربي، ذة. نجيه الزهراوي”، ومن الشعراء: “الشاعرة مليكة العاصمي، إسماعيل زويريق، أحمد بلحاج آيت ورهام”، ومن أهل الفن: “ذ. مليكة العمري، الأستاذ المؤلف عبد الله عصامي، والمايسترو أحمد عواطف، والشيخ ابن شيخ أشياخ الملحون امحمد الملحوني”، ومن أهل الصنائع: “الحاجة حليمة العماري (الخزف)، المعلم لحسن لمان (الجباص مبدع مسجد الحسن الثاني)، المعلم مولاي يوسف المحب في الله (في النحاسيات)”.
ووفق التقرير نفسه، فقد جاء في الكلمة الترحيبية للأكاديمي البارز أحمد شحلان: “ضيوفنا الأعزاء، ضيوف المحبة ومكَرَّمي المعرفة والتَّمَيُّز، سلام الله عليكم ورحمته تعالى في حضن مدينتكم التي تفخر بكم، وأنتم حِل بها أو شَط بكم المزار وأبعدكم عنها لواجب العناية بأبناء وطنكم علماً ومعرفة وتقويم بدن أو يد أو عقل أو تدبير شأن. أحباءنا، اعذرونا إذا لم يكن قدر المحبة والتقدير والاعتزاز بكم، على قدر ما وطأنا لكم من أكناف وأفسحنا لكم من رحاب. فما في إمكاننا إلا أن نفرش لكم متسع القلوب والصدور، لعلها تشفع فيما عجزنا عن أن نفعله بما أنتم أهله. مُقام سعيد لمن حل من بعيد، وجوار دائم في سعادة وهناء لمن تعتز بمقامه مدينة مراكش. تسعد بكم عمادة كلية الآداب ولجنة ألفية الأعلام والعمران”.
وجاء في كلمة الافتتاح أن هذا “حفل عرس معرفي نلتقي فيه اليوم في مراكُش، عروسِ النخيل، الطيبةِ الثرى، البديعة السماء، الساحرة الغروب. مراكُش كتاب التاريخ العريق، المسطور بحروف من نور المعرفة، المزخرفُ بأخلاق التواضع. مراكُش العطوف بمن أقام أوحَلَّ”.
فمراكش “ألفية الأعلام والعمران، تحتفي، تحت الظلال الوارفة لجامعة القاضي عياض، بين عرصات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وبإرادة فعالياتٍ أكاديمية وعلمية وأهل قانون وقضاء وسياسة، ورجال فن وإبداع. مراكُش تزدهي في يومي حب ووفاء بأبنائها البررة، ممن سار على خطوات المؤسسين والأجداد: علماً وإبداعاً وتدبيراً ورفعة إنسانية. جزى الله خيراً المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي اختارت مراكُش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024. لكن لن تنتهي هذه السنة لينتهي معها امتداد سلطان مراكش بكل الصفات أعلاه. فمراكش امتداد في ماضي التاريخ، وامتداد في حاضر التاريخ، وامتداد في مستقبل التاريخ. عطاء من رب جعلها منذ أن وُلدت بساطاً بين الجبل والسهل، وسِماكاً بين الأرض والسماء، وجعلها حيزَ وَفْرَة وبركة رغم شُحِّ الماء. فيها تطاول النخيل بأنفة، وتعانقت الباسقات المثمرات بجود. وهبت النسمات المنعشات بطيب نسمات، لتكون تربة البهجة المسلية كل قاصد”.
وتابعت الكلمة: “امتد سلطان مراكُش وهي عاصمة لأكبر إمبراطوريات عرفها التاريخ، فأظل أوروبا من شمال، وسار معرفة ورخاء في إفريقيا ذات الخيرات. بُنيت مراكش على التقوى وبركة العلم. وشهدت في تاريخها مقامات ومشاهد ومجالس. هنا عَرَفَت ظاهريةُ ابن حزم (994-1046) مسالكها في تبسيط مناهج العلم والمعرفة، وابن حزم هو واضع أسس علم مقارنة الأديان الذي فتح أعين الغرب على مُعَمَّيات ما كانوا على علم بها. وهنا ترددت آراء الغزالي 1085- 1111) وعلمه في إحياء علوم الدين، وتداولته إمبراطوريتان كل منها تبتغي منه ما تريد. وهنا في مراكش، التي وردها ابن رشد (1126- 1198) بدعوة من ولاة الأمر لتجديد برامج التعليم عندهم، حدث أشهر مجلس علمي في مجالس العلم. حرك الغرب لتصبح له نهضته”.
في مراكش “ولد أبو العباس أحمد بن محمد ابن البناء المراكشي (1256- 1321) أعظم رياضي فلكي، لم يختلف في قياسه لمحيط الأرض إلا بدقائق عما وصله العلم اليوم. شهادةٌ سمعتها في أكبر مركز علمي في ألمانيا من عالم كبير: فاوت سزكين. في مراكش عاش وتأمل وكتب ودُفن أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن ابن برجان (….- 1141)، وهو معجزة علم الرياضيات والفلك، وهو من جمع بين عمق علم الفلك والحساب، والتدبر في آي الذكر الحكيم، فتنبأ بفتح القدس قبل ستين سنة من فتحها وما أخطأ. ولعل هذا العِلم المعجز هو الذي جعل له مكانة عليا اليوم في أعرق الجامعات الأمريكية: هارفارد، ففيها يُدرس، ومنها يأتي أعلامُها لزيارة مشهده”.
مراكش “مدينة العلم، وقد احتفى بمن حَلَّ بها من العلماء، ابن من أبنائها البررة، الفقيه القاضي العباس بن إبراهيم التعارجي (1877م- 1959) الذي عرَّف في كتابه الإعلام بمن حل مراكش وأغماث من الأعلام بـ1650 عالما. وما ضم إعلام القاضي التعارجي كل الأعلام، وما كان قادراً. ولكنا نحن اليوم في مناسبة أعلنت فيها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم “مراكش عاصمة الثقافة في العالم للإسلامي”-وما كان لأعلامها الحظ في المساهمة في تأثيث هذه السنة بما تستحقه من “رياش” المعرفة، وباذخ الإحياء-أبينا إلا أن نزيد في كتاب الإعلام أسماء هي من تربة هذه المدينة، بها تربوا، لعبوا، قرؤوا، وتخلقوا بأخلاق الفضلاء، فصاروا أعلاما في علوم الطب والصيدلة وفي التشريع والقانون والسياسة والآداب والفنون والصنائع”.
ولم ينحصر تفوق أعلام مراكش في هذه، بل “تفوقوا في كل حقول المعرفة قِدْماً واليوم. هم هنا في مراكش، في كل المغرب، في الأمريكتين في أوروبا في الصين وروسيا وكوريا، وغيرِ هذه من بلاد الله، يحتلون المناصب العليا والصدارة في الجامعات والمخابر العلمية ومراكز الاختراع ودور الفن وهياكل العدالة. ما نستطيعه نحن اليوم، للحيز الزماني، وإمكانية التصرف، هو أن نجمعهم وإياكم في قلوبنا وعقولنا. وإذا أراد الله، فسنحتفي نحن أو ورثتنا في العلم ومحبة هذه المدينة بأعلام مختلف حقول المعرفة تباعاً، في كل أسبوع أول من شهر ديسمبر، إن شاء الله، أمانةً وضعناها على كاهل مثقفي مراكش، وما مراكش منحصرة بين أسوارها، فأرباضها من جبل وسهل هي كل مراكش، ووضعناها على كاهل جامعة القاضي عياض. واسم القاضي عياض نفسه، يضع على كاهلنا هذه الأمانة”.
ومن بين ما نبهت إليه الكلمة أنه ينبغي أن يكون “لعظماء أعلام مراكش أو من حل بها، مكانهم القائم البنيان معنى معرفياً ومادياً بنياناً مشهوداً”؛ فـ”عيب أن لا نجد أي أثر قائم في مراكش، يدل على ما فعله واضع أسس النهضة الغربية الذي أوردناه أنموذجاً لصناع الحضارة في الغرب الإسلامي ومن هذه المدينة: أبو الوليد ابن رشد. الذي اهتزت منابرُ منابت العلم في الغرب، في ذكرى وفاته بعد ثمانية قرون، وخصَّتْه بكثير من الندوات والأبحاث وإخراج نصوص مؤلفاته وشروحه. بل تأسست جمعية دولية شاركت فيها بعض دول: كأمريكا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وكِيان آخر عَـلَّم ابنُ رشد أجدادَه كي يدخلوا أبواب المعرفة، وكل هؤلاء وأولئك، لا هم من عرب مسلمين، ولا أبو الوليد من رَبْعِهم، إلا بالتلمذة عليه في زمن كان. أقول اجتمعت هذه الدول كلها، من أجل تخليد ذكرى أبي الوليد على مدى الأحقاب، بإخراج مؤلفاته وإعادة تحقيقاتها وترجمات عربيها وعبريها ولاتينيها إلى لغات متعددة. اهتزت الدنيا كلها لمشروع ولد هنا، ولعله في هذا المكان الذي نحن فيه، ولا أثر عُمْرانٍ يسجل هذا الحدث الأعظم في تاريخ المعارف في هذه المدينة. كان لنا أمل في إيجاد مركز يختص بابن رشد في مدينة مشروع الفيلسوف في مراكش. وأعدنا النظر، نحن المهمومين بإرث الغرب الإسلامي، فيما يمكن فعله من أجل تحقيق هذا الهدف، بإنشاء مركز يخص الدراسات الرشدية في مراكش، وأعدنا طرق الأبواب الصَّدِئَة، والقصة طويلة، وما نجحنا وعين المشرفين عن الثقافة عنا مُزْوَرّة”.
وتابع المصدر: “من هذا الذي تمنيناه لأنموذجنا الثاني في أعلام من حل بمراكش وضمته تربتها: ابن برجان، أن يكون المشهد الذي يضم رفاته، مشهداً قميناً بأن يدخله الوافد من هرﭬارد وإخوتها، فيجدَ بهاء العلم وضياء المعرفة هو المعانق، لا روائح العطريات المزكمة التي تخنق مدخل الضريح المتواضع، بل أقول المحتقر في حي عريق، تلوثه أدخنة المَطْعْمِيات المتواضعة التي صارت مقصد السواح من البسطاء. ومن هذا الذي تمنيناه، أن تستنقذ دار أكبر علماء الرياضيات في زمانه وحقله: ابن البناء المراكشي، من يد أجنبي لعل الكثير مما يحدثه فيها يجرح كبرياء هذا الرجل العظيم، ويطيح من أنفته الخلفية وإبائه العلمي”
وواصل: “من الذي نتمناه أن يصبح نهج ﮔـليز (شارع محمد الخامس)-ولعل ابن رشد فيه خطا، وهو يرنو إلى مربط أبي العباس السبتي وهو في خلوته في آخر المسار، إذا وقع-يصبح نهجاً قميناً بأن يكون ممراً لضيوفنا الأعلام الذين نحتضنهم اليوم، ونتمنى أن يعودوا فيجدوه “شارع محمد الخامس” القمين بهذا الاسم، وآثار ابن رشد بادية فيه. أمانينا أن لا تكون مراكش، “مراكشات”، فيها البديع وفيها مَكْسور البديع.
أمانينا أن تحظى مراكش، في رعاية ملك مصلح بَانٍ مؤسس، بما يمكِّنها من الحفاظ على الكرامة وعزة النفس والطهر وجميل الحياء، ورفع بنيان المعارف لتتجاوز بنيان المجازف، وأن يكون العلم والمعرفة والأنفة وسمو الأخلاق هي المثل الأعلى لشباب ولد في مدينة كانت أم المدن، ومنها امتدت المعرفة والعلوم، في كل جهات هذه المملكة السعيدة، شمالا جنوباً، شرقاً غرباً، اليوم وفي القديم”.
ثم استرسلت الكلمة: “أمانينا أن يعود لجامعة ابن يوسف العريقة، التي ربَّى ودرس فيها كبار العلماء، ودرست فيها بدائع العلوم، ومنها نبعت الغضبة على المستعمر. وما نظن إلا أن هذا حادث إن شاء الله، من ملك مؤمن بالعلم، رافع بنيانه، وقد أقام بنيان أرقى جامعة في ضاحية مراكش، بها تدرس أحدث العلوم. وهو يعرف أن المعرفة ميزان عادل، لا تقل فيه علوم اللغة والدين والعلوم الإنسانية عن علوم العصر. وفي كلٍّ ازدهارُ مملكة رائدة مؤمنة”.
يذكر أن التقرير قد شكر اللجنة التحضيرية للندوة العلمية بجامعة القاضي عياض بمناسبة اختتام احتفالية مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي “المكونة من: د. عبد الجليل الكريفة، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ود. احمد شوقي بنبين، ود. مولاي المامون المريني، والأستاذ عمر أبو الزهور، والأستاذ عبد الصمد الطعارجي، ود. مولاي البشير الكعبة، ود. جمال الدين الأحمدي، ود. شكيب بنفضيل، والحاج محمد البوعمري، وذ. أحمد متفكر، وذ. محمد عز الدين سيدي حيدار، ودة. سعاد الكتبية، ود. حسن المازوني، وذ. عبد العزيز الرغيـوي، ود. محمد المالكي، وذ. حسن بنمنصور”.
المصدر: وكالات