ربّما قد يقول قائل إنّ كلّ ما يتعلق بسيرة محمد شكري تمّ طرقُه وصار مستهلكا ومسكوكا ومكرورا… لكنّ طلحة جبريل، الصحافي السوداني المقيم في المغرب، ودّ أن يحطّم هذا “اليقين”، باستحضار رأي الحسن الثاني في الكاتب العصامي، الذي قال جبريل إنه سيتحدث عنه للمرة الأولى، بما أن كتمان الأمر لم يعد سبيلاً، وذلك أيضاً اعترافاً بكيف بلغ الشحرور الأبيض درجة نال معها اعتراف ملك المغرب الراحل.
جبريل: كاتب خطف قلب الملك
وقال جبريل، وهو يتحدّث ضمن مداخلة في ندوة بمهرجان “ثويزا” بطنجة، اليوم الجمعة، “ماذا تبقّى من الخبز الحافي؟”: “ظهر محمد شكري في برنامج ‘أبوستروف’ الثقافي، وكان الحسن الثاني حينها يعرف أن لدي علاقة جيدة وطيبة معه، وشاءت الصّدف أن ألتقي بالملك الراحل فسألني: ما رأيك في ما قاله صاحبك في البرنامج؟”، وزاد موضحا: “أخبرتُ الملك حينها بأنني استمعت بإصغاء واهتمام للحوار، لكني لست ملما بالفرنسية؛ لكن أثار انتباهي أن شكري قال إنه تعلم الفرنسية في الشّارع”.
وأضاف صاحب كتاب “محمد شكري.. جرأة الحياة” أنّ الحسن الثاني قال له حرفيا: “بعض الناس اهتموا بالتفاصيل في ذلك البرنامج، لكن أعجبني أن يتحدث كاتب مغربي في برنامج ثقافي فرنسي رفيع. لا تنقل عني أيّ شيء لشكري، فقط أبلغ صاحبك أنّ مشاركته كانت مهمة وجيدة، إلخ”، واسترسل: “هذا الاعتراف الملكيّ بشكري نقلته له، وألح عليّ أن أخبره بالتفاصيل، بيد أني لم أفعل ذلك”.
وشدد المتحدّث عينه، في المداخلة ذاتها على هامش الدورة 17 من مهرجان ثويزا، على أنّ “الخبز الحافي معلمة أدبيّة حقيقية، خاب ظننا فيها، حين اعتقدنا أنها ستلمع لفترة من الزّمن ثمّ تخفت، كما حدث لأعمال أدبية كثيرة في العالم، لكنّ هذه الرواية تشكل إرثا حقيقيّا ظلّ يحتفظ بمكانة اعتبارية، رغم أنّ شكري تعذّب من كونه عملاً اكتسح مسيرته الأدبية بالكامل، وغطى على أعماله الأخرى”، مبرزاً أن “شكري قدّم للمغرب الكثير… ويكفي أن عمله نقل إلى 39 لغة”.
باقا: النصوص الصّامدة تبقى
من جهتها، انطلقت الكاتبة المغربية لطيفة باقا من سؤال الندوة: “ماذا تبقى من الخبز الحافي؟” معتبرةً إيّاه “سؤالا في حاجة إلى المزيد من التأمل، لسبب بسيط وهو أن الكتب النادرة تستطيع أن تعيش بعد موت أصحابها”، ذاكرةً أنّ “هناك بطبيعة الحال الأطنان من النصوص التي تغادر المطابع يوميا وتتلاشى بعد تلاشي من كتبها، وغالبا ما تتلاشى قبل ذلك؛ لكنّ الخبز الحافي يقع في الزاوية الحادّة للكتابة، وهذا وحده يضمن له النجاة”.
واعتبرت باقا أنّ “النصوص التي تصمد، والنّصوص التي قد لا تعيش إلا بعد تواري من اقترفها، موجودة”، مبرزة أن “سواعد الكتب تشتدّ عندما تنجح في امتحان الصمود في وجه الزمن… مثل صمود الطفل الذي لم يعد طفلا وهو يجد نفسه في العراء بدون حماية أبوية”، وزادت: “الكتب الحقيقية بكل تأكيد تنفصل بسرعة وتجد لنفسها مكانا في الزمن وفي الذاكرة”.
وتابعت المتحدثة ذاتها: “يكفي أن يكون هناك قارئ جريء كي تكون هناك حياة للكتب الشّجاعة. والخبز الحافي كتابٌ شجاع، كتابٌ عار خبزهُ “حْرْفِي” بالمعنى المغربي”، ناعتةً إياه بـ”خبز الفقراء الممزوج بعرقهم ودموعهم وضحكتهم القادمة من منطقة حارة داخل صدورهم”، وأردفت: “الخبز الحافي ينتمي إلى تلك الكتابة التي تراهن على الإنسان كأسمى وأعظم فكرة خطرت على بال إله. والكتب الحدّية مثل الخبز الحافي لا يمكن أن تملأ الرفوف مع أطباق ‘الطوس’ في صالونات باردة ومرتبة”.
البوعزاوي: شكري متفرّد بطبعه
أما الكاتبة المغربية خديجة البوعزاوي فقالت إنّ “محمد شكري مازال يعتبر مادة شهية لكونه من الكُتاب الذين استطاعوا أن يرسّخوا أعمالهم ومسارهم عبر عمل يمكن تسميتُه بالعلامة التي تميز تجربة أدبية بأكملها لكاتب واحد”، مبرزةً أنّ “الشهرة والانتشار والمقروئية التي حققتها سيرة الخبز الحافي تنمّ عن كون شكري ليس كاتبا عاديا، وإنما مبدع راكم مجموعة من التجارب في الحياة”.
وسجلت الباحثة ذاتها، ضمن مداخلتها، أنّ “المثير في حكاية شكري أن نجمه برز منذ العمل الأول”، لافتة إلى أن “حكاية الكتاب بنفسها معبّرة، نظراً لكونه صدر أولاً باللغة الإنجليزية عن بول بولز، وبعدها بالفرنسية عن الطاهر بنجلون، لتصدر بعدهما الطّبعة العربيّة الخاصة بشكري لاحقاً؛ ومن ثمّ هذا المسار الذي قطعه الخبز الحافي هو ربما ما جعل الكاتب ظاهرة أدبية بامتياز وميزه عن عموم الكتاب الآخرين”.
وأضافت المتحدثة أنّ “الخاصية الثانية التي تجعل سيرة الخبز الحافي راهنية ومهمة هي شخصية محمد شكري نفسه”، موضحة أنه “يتمتع بشخصية فريدة حاولت أن تجمع بين روح المغامرة والإصرار والطموح والذكاء العصامي؛ وهذه التركيبة الخاصة جعلته يتميز وسط قبيلة الكتاب، دون أن ننسى قدرته الرهيبة على مضاعفة جاذبية طنجة وسحرها وجمالها، فالعديد من الكتاب يؤكدون أن طرافة طنجة تجسدت ابتداءً… في ‘الخبز الحافي’”.
المصدر: وكالات