بالموازاة مع شروع أولى تدفقات المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج في العودة إلى أرض الوطن، ضمن عملية “مرحبا 2024″، تنتعش ديناميات أخرى للهجرة والتنقلات العكسية في اتجاه الشواطئ والسواحل في جنوب أوروبا، خصوصاً بإسبانيا؛ يظل أبرزها نشاط تهريب البشر و”الحريك”، سواء من مغاربة أو مواطني دول إفريقية جنوب الصحراء.
وبحسب فعاليات مختصة في قضايا الهجرة، أكاديمية أو مدنية-حقوقية، لم يعُد خافياً أن فترة أشهر الصيف الذي تتزامن بدايته، هذه السنة، مع فترة الاحتفال بعيد الأضحى، تعرف “انتعاشة استثنائية” وغير مسبوقة لأنشطة الهجرة غير النظامية انطلاقا من سواحل شمال المملكة في اتجاه ثغريْ سبتة ومليلية المحتلين، أو سواحل إسبانيا الجنوبية.
ويأتي كل هذا في سياق موقف رسمي رافض لـ”رفع التجريم” عن هذا الصنف من الهجرة، بشكل قاطع، عبّر عنه مسؤول في وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مسجلا أن قرار التجريم “لم يأت من فراغ”، على غرار قوانين جميع الدول الأوروبية المجرّمة لهذا الفعل.
وفي تقدير المسؤول في قطاع “مغاربة العالم” فإن “عدم رفع التجريم عن الهجرة غير النظامية يستدعيه التحدي الكبير الذي يطرحه الموقع الإستراتيجي للمغرب، بحكم تدفق آلاف المهاجرين النازحين، عبره، من دول تعرف صراعات أو أزمات سياسية أو مشاكل مرتبطة بالمناخ، بطريقة غير قانونية، بهدف العبور إلى أوروبا”.
في السياق ذاته سجل المكتب المركزي لـ”مرصد الشمال لحقوق الإنسان” بالمغرب (ONDH) تزايد محاولات مهاجرين غير نظاميين (جلّهم مغاربة) الوصول إلى مدينتي سبتة ومليلية (نجاح حوالي 1000 مهاجر غير نظامي جلهم مغاربة في الوصول إلى سبتة ومليلية، بمعدل محاولات يومية يصل إلى 120 محاولة خلال شهري مارس وأبريل، بزيادة 20 محاولة عن شهري يناير وفبراير 2024)؛ فيما فشل حوالي 220 مهاجرا غير نظامي من دول جنوب الصحراء في اقتحام السياجات الحدودية لسبتة.
كما نبه “مرصد الشمال” إلى “تنامي الظاهرة” بعد تسجيله أن محاولات الوصول إلى جنوب إسبانيا أو مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين أفضت إلى “غرق حوالي 14 مهاجرا غير نظامي (12 منهم مغاربة ومهاجرين من دول جنوب الصحراء)، و18 مازالوا في عداد المفقودين بالبحر المتوسط”، خاصا بالتحذير “استمرار تفضيل أغلب المهاجرين غير النظاميين، ومن ضمنهم قاصرات، الوصول إلى سبتة سباحة”.
“ارتفاع محاولات هجرة القاصرين غير المصحوبين نحو شواطئ سبتة المحتلة انطلاقا من الفنيدق، بمعدل سباحة يتجاوز 10 كيلومترات (تستغرق 10 إلى 15 ساعة بين المقطع البحري الفنيدق – سبتة، أو بليونش–سبتة الذي يستغرق ساعتين كمعدل)”، مؤشر مقلقٌ أعقبه المرصد الحقوقي بالتنبيه إلى ما يعرفه هذا المسار من “تيارات بحرية باردة وقوية، تزداد خطورة بسبب الصخور”.
من “الجماعي” إلى “الفردي”
محمد بن عيسى، رئيس المرصد سالف الذكر، لفت إلى أن “تتبع دينامية التحولات التي تعرفها ظاهرة الهجرة غير النظامية يكشف انتقالنا من الهجرة الجماعية إلى الهجرة الفردية”.
وفصّل الحقوقي ذاته شارحا، في حديث لهسبريس، أن “صنف الهجرة الفردية بوصفها ‘النوع الجديد’ ظهر نتيجة الوضعية الجديدة التي أصبحت تعرفها سبتة ومليلية، ففي العادة لا تتطلب إمكانيات مالية كبيرة باستثناء قدرة المهاجر غير النظامي على السباحة لساعات طويلة، وهو الشكل المتمركز أساسا على الثغرين المحتليْن كهدفٍ، ويتم انطلاقا من الشواطئ المحاذية لهما”.
وبحسب بن عيسى “من المتوقع أن يعرف هذا النوع من الهجرة تزايدا كبيرا أثناء فترة عيد الأضحى وفصل الصيف، لما تعرفه شواطئ المنطقة من ضغط؛ وهو ما يؤثر على المراقبة الأمنية للسلطات المغربية والإسبانية للحدود”.
“استغلال المِخيال يزيد الإغراء”
خالد مونة، الأستاذ الجامعي في أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا الهجرة، أشار إلى أن “المغاربة مازالوا يتصدرون الجنسيات التي تهاجر بشكل غير نظامي من إفريقيا إلى أوروبا”، مفسرا ذلك بـ”عامل القُرب جغرافياً” و”تاريخ الحريك” الذي اشتهرت به السواحل الشمالية للمملكة.
وفي إفادات تحليلية بسَطها لجريدة هسبريس أكد الأستاذ بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس أن “شبكات للهجرة غير النظامية تشتغل على المِخيال المرتبط بالهجرة الذي يفيدها في زيادة إغراء عدد ضحاياها الراغبين في معانقة حلم الوصول إلى ما يروْنه فردوساً أوروبيا”.
وبخصوص “المراقبة على الحدود” أورد الباحث ذاته أنها “مجرد سرديات وأفكار تحاول ترويجها هذه الشبكات الإجرامية المختصة خلال فترات الأعياد الدينية والمناسبات المجتمعية”، موردا مثالا تسوّقه مفاده أن “الصيف أقل مراقبة وأفضل فترة من حيث أجواء الطقس لـ’الحريك’”.
كما ضرب المتحدث ذاته مثالا بـ”تسويق عمليات التهريب عبر بث فيديوهات للتشجيع على الفكرة باعتبارها نجاحا”، وزاد مستنتجاً: “لم تعد فقط حركة عادية بل كمنتج اقتصادي-ترويجي تشجّعه شبكات الهجرة غير القانونية التي تنتشر وتشتغل في الظل، رغم كل المجهودات المبذولة لتشديد المراقبة واستخدام تقنيات متطورة، وبصرف النظر عن طبيعة العلاقات الدبلوماسية”.
وأوضح مونة أن “الأقمار الاصطناعية والدرونات باتت وسائل وتقنيات متوفرة لدى سلطات المغرب لمراقبة تدفقات الهجرة غير النظامية، خاصة تلك التي تكون انطلاقا من سواحله”، معتبرا أن “هذا المعطى يتجاوز تسويق إشاعة قلة أو تخفيف عمليات المراقبة في الأضحى والصيف”.
وبخصوص نقاش “رفع تجريم الهجرة غير النظامية” علّق الأستاذ ذاته: “المغرب من البلدان التي تجرّم خروج مواطنيها، ولا يختلف في ذلك عن عدد من الدول الأوروبية التي تجرّم دخول أراضيها بطريقة غير قانونية”، قبل أن يتساءل: “هل عملية التجريم تحدّ من نزيف الهجرة غير النظامية؟”، محاولا الإجابة بأن “تقارير رسمية مغربية تحدثت عن نسبة بين 50 و60 في المائة من فئة الشباب أقل من 30 سنة لا ترى مستَقبلها في بلدها؛ وهو ما يستدعي إعادة تأطير مقاربات التعاطي الرسمي/القانوني مع مسألة الهجرة”.
المصدر: وكالات