“مُحاولات عديدة للهجرة غير النّظامية” تمّ إحباطها في الأسابيع الأخيرة، أعادت إلى الواجهة “الكثافة التي تعرفها مناطق الشّمال والأقاليم الجنوبية المغربية في محاولات العبور غير القانوني نحو الضفة الأخرى”. لكن التّساؤلات التي رافقت هذا “التنامي” الذي كشفت عنه الجهات الأمنية تمحورت حول “الصعوبة في الطقس”، عكس الصيف الذي تكون ظروفه “مشجعة” نتيجة الجو، وأيضا بحكم امتلاء الشواطئ.
وكانت فرقاطة تابعة للبحرية الملكية، أول أمس الأحد، عملت على إنقاذ قارب يحمل 57 مرشّحا للهجرة غير النظامية، من بينهم 4 نساء في حالة تعب شديد. وينحدر هؤلاء الذين تم العثور عليهم على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب غرب ساحل مدينة الداخلة من إفريقيا جنوب الصحراء؛ وهو ما يحيل على الإقبال على فترات معينة من السنة سجلت نجاحات في السابق، إمّا الصيف أو نهاية السنة، وفترات حاسمة أخرى.
“أسباب حاضرة”
محمد الخشاني، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، أكد أن “هناك تناميا لمُحاولات الهجرة خلال هذه الفترة التي تعرف صعوبة قاسية في الطقس”، مردفا بأن “درجة اليأس واستمرار الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى الهجرة غير النظامية مازالا يواصلان دفع الشباب الحالم بالهجرة نحو البحر، بكل المجازفة التي تحملها هذه العملية في هذه الفترة بالتحديد”.
وأوضح الخشاني، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء ومن غيرها من البلدان أصبح رهانهم الوحيد هو العبور”، وزاد: “هناك من جرب الصيف ومن يجرب الشتاء وباقي فصول السنة، بما أن المنبع مازال يصرف هذه الأفكار المتعلقة بالعبور”، مؤكدا أن “هذا التنامي في محاولات الهجرة غير النظامية فتح الأفق اليوم على مختلف النّقط الممكنة، سواء شمال المغرب أو بالأقاليم الجنوبيّة المغربيّة”.
وبخصوص الشّبكات الإجرامية التي تنشط في الاتجار بالمُهاجرين، اعتبر المتحدث عينه أنها “مازالت تواصل عملها، مادام الفكر الذي تتغذى منه حاضرا، وهو الرغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى”، مؤكدا أن “المقاربة الأمنية تبلي بلاء حسنا رغم أن مسألة التنقل تطرح إشكالا حقوقيا”، ولافتا إلى أن “لدى المغرب التزاما قويا مع السلطات الإسبانية، ومع الاتحاد الأوروبي بالخصوص، لتكثيف المراقبة وتشديدها في السّنين الأخيرة”.
وسجل الجامعي عينه أن “الأسباب مازالت حاضرة، وهذا الوضع يستنفرُ دائماً الجهات الأمنيّة، فتضطر الأجهزة إلى تعزيز ترسانتها للبقاء في حالة يقظة، لأن الأمر صار يشكل نوعاً من التحدي في السنوات الأخيرة”، موضحا أن “التعاطي مع هذا الموضوع يتعين أن يكون من زوايا مختلفة، منها الاقتصادي والسياسي والثقافي، لكي نصحح هذا المد الذي مازال يعتبر أوروبا أرض الفرص الكبرى، ويخاطر بحياته لبلوغها شتاء وصيفا وخريفا”.
“ليست ظاهرة”
عبد الفتاح الزين، خبير في شؤون الهجرة، قال إن “تنامي محاولات الهجرة في أواخر السنة لا يفسر سوى ذلك الإصرار الحاضر لدى المهاجرين الذين توجد في بلدانهم عوامل طاردة حقيقية، مثل الهشاشة والفقر وغياب الفرص وانعدام الديمقراطية ونهب الخيرات، إلخ”، مضيفاً أن “كل هذه الحقائق تجعلنا في حاجة إلى تفكيك البناء الذي تشكل عن الهجرة، لكونها في الحقيقة ليست ظاهرة مثلما يصوّرها الغرب وغيره”.
ولم ينف الخبير ذاته استغلال المهاجرين هذه الظرفية بحكم العطل التي يستفيد منها من يحرسون الحدود في إسبانيا بسبب احتفالات رأس السنة، لكنه أكد، في تصريحه لهسبريس، أن “الهجرة تبقى حقّا، وطريقتها، أي نظامية أو غير نظامية، تظل مسألة ثانوية”، وزاد: “الشّخص الذي بلغ به انسداد الأفق وضعاً لم يعُد محتملا لن يجد أمامه سوى المُغامرة، وهو ما ساهم في تحجيم المقاربة الأمنية طيلة السنوات الماضية، لأن المحاولات لا تتوقف”.
كما أوضح الزين أن “المهاجر لا يبحث سوى عن فرصة سانحة للعبور، ومسألة الطقس تصبح لاحقة، لأن المقصد يسيطر على تفكيره؛ وبالتالي استعمال زوارق مطاطية أو مراكب صيد أو أي طريقة أخرى بكل مخاطرها لا يكون أمرا مدرجا في الخطة”، وزاد مستدركا: “لكن علينا ألا ننسى أن الحد من الهجرة يجب أن يتم أساسا من مدخل تنموي صرف، يمكّن المواطن الإفريقي من الاستقرار في بلده مع حقه في التنقل”.
وأجمل المتحدث ذاته أن “التركيز الذي نعيره أهمية كبرى هو الهجرة من الجنوب نحو الشمال، لكن الذي نُغفله أن دول الشمال التي تضع تدابير تشدديّة تخص الهجرة بشكل يحد من الحق في التنقل هي نفسها الدول التي يأتي مواطنوها إلى بلدان الجنوب، إما للدراسة أو الاشتغال، مستفيدين من الإعفاء من التأشيرة”، مؤكدا أن “الهجرة ستظل على حالها ولن تتوقف ما دمنا لم نعد النظر في طريقة حديثنا عنها وفي رؤيتنا لها”.
المصدر: وكالات