تمويل ضخم وتنفيذ محدود .. ورش “ترسيم الأمازيغية” يواجه أسئلة صعبة

قالت فعاليات أمازيغية مغربية إن “تنفيذ الحكومة 250 مليون درهم فقط من الاعتمادات المخصصة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بين 2022 و2025 يعكس بطئاً واضحاً في وتيرة تفعيل هذا الورش الوطني، ويثير تساؤلات حول النجاعة والفعالية في تدبير الموارد المالية الموجهة لإدماج الأمازيغية داخل القطاعات والمؤسسات العمومية وبقية الأوراش الحيوية”.

وكشفت وزارة الاقتصاد والمالية، لأول مرة، عن معطيات مفصّلة بشأن هذا التمويل، موضحة أنه سنة 2022 تمت برمجة اعتمادات مالية لصالح الأمازيغية بقيمة 200 مليون درهم، نُفِّذ منها 40 مليون درهم، فيما تم رصد 300 مليون درهم سنة 2023 لم يُنفَّذ منها سوى 60.25 مليون درهم.

كما أبرزت الوزارة، ضمن وثيقة تتضمن المعطيات والبيانات المطلوبة من قِبل الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب، في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026 داخل لجنة المالية بغرفة البرلمان الأولى، أنه جرى تخصيص 300 مليون درهم سنة 2024، مع تنفيذ 70.9 مليون درهم منها، مضيفةً أن الاعتمادات المخصصة لهذه اللغة الرسمية عادت سنة 2025 إلى 200 مليون درهم، نُفِّذ منها 78.9 مليون درهم.

“حاجة إلى الشفافية”

مصطفى أوموش، الباحث في الثقافة واللغة الأمازيغية، قال إن “المعطيات التي أعلنتها وزارة الاقتصاد والمالية بشأن الاعتمادات المنفذة لفائدة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تُعيد إلى الواجهة، مرة أخرى، الإشكالات البنيوية التي نبّهت إليها الفعاليات الأمازيغية منذ سنوات”، موضحا أن “هذه الأرقام، بصرف النظر عن حجمها، تكشف عن غياب رؤية إستراتيجية واضحة ومندمجة للنهوض بالأمازيغية داخل المؤسسات العمومية”.

وأضاف أوموش، في تصريح لهسبريس، أن “الغموض الذي مازال يلفّ صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية يعمّق الشعور بعدم الفعالية، خاصة مع تسجيل صرف اعتمادات كانت مخصّصة للأمازيغية في اتجاه ملفات أخرى يدبّرها الصندوق نفسه”، مؤكدا أن “هذا الوضع يطرح تساؤلات مشروعة حول منهجية التدبير وآليات التتبع والتقييم”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “ما تم تنفيذه فعلياً من اعتمادات يبقى غير كافٍ إطلاقاً لسدّ الخصاص الكبير المتراكم عبر عقود، كما أنه لا يرقى إلى مستوى تحقيق نتائج ملموسة لصالح تعميم استعمال الأمازيغية وتحسين حضور لغة دستورية في الخدمات العمومية”، معتبراً أن “غياب الالتقائية بين القطاعات يزيد من بطء تفعيل الطابع الرسمي، رغم الانتظارات الكبيرة للمواطنين”.

وأكد الباحث نفسه أن “هذا الوضع يفرض الاستدراك بشكل مستعجل خلال ما تبقّى من عمر الحكومة الحالية، عبر مراجعة آليات تدبير الاعتمادات المخصصة للأمازيغية، وضمان توجيهها مباشرة إلى الأهداف المحددة في القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية في المغرب”.

وذكر المصرح ذاته أن “المرحلة تتطلّب التزاما سياسيا واضحا ومبادرات عملية متناسقة، حتى لا يتحول ورش تفعيل الطابع الرسمي إلى مجرد شعارات دون أثر فعلي”، مبرزا أن “الحكومة التزمت بالرفع التدريجي للغلاف المالي المخصص للنهوض بالأمازيغية إلى مليار درهم في أفق 2025، لكن صرف 250 مليون درهم فقط يثبت أن ما سجلته الديناميات الأمازيغية لم يكن قطّ مزايدات أو اتهامات باطلة”.

الأسئلة مطروحة

قال محيي الدين حجاج، المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، إن “الحكومة وفت بالتزامها السياسي تجاه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ورفعت الاعتمادات المالية المخصصة لهذا الورش بشكل تدريجي إلى أن بلغت ما مجموعه مليار درهم”، موردا أن “المجهود المالي يعكس إرادة واضحة لجعل الأمازيغية حاضرة في مسار إصلاح الإدارة وتحسين الخدمات العمومية وبقية القطاعات الحيوية”.

وأضاف حجاج، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الأجوبة المخصصة لتنفيذ هذه الاعتمادات تتطلب توضيحات من الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بشأن كيفية توجيه هذه الميزانية نحو برامج عملية تسرّع إدماج الأمازيغية في المنصات والخدمات والواجهات الرقمية وغيرها”، مؤكداً أن “توفر التمويل لا يكفي وحده لضمان النتائج ما لم يواكبه وضوح في التخطيط وتسريع في وتيرة التنفيذ”.

وشدد المتحدث ذاته على أنه “ليس كافياً أن يتم صرف 25 في المائة فقط من الاعتمادات النهائية المرصودة، لأن حجم الانتظارات المجتمعية أكبر من ذلك بكثير”، موردا أن “الالتزامات المالية يجب أن تُترجَم إلى مشاريع ملموسة تُغيّر واقع استعمال الأمازيغية في الإدارة والمؤسسات”.

وأشار المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي إلى أن “المرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من الجهد والفعالية في التنسيق بين القطاعات الحكومية، وفي وضع جداول زمنية دقيقة، وفي اعتماد آليات لتتبع التنفيذ والنتائج”، مبرزا أن “الأمازيغية تمثل ورشاً وطنياً جامعاً، نجاحه لن يتحقق إلا عبر احترام الإيقاع الذي تفرضه التوقعات والالتزامات، وبالاستثمار الأمثل لما تمت تعبئته من موارد”.