قال خبراء ومسؤولون إن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تستخدم شبكة تمويل عالمية لتلقي الدعم من الجمعيات الخيرية والدول الصديقة، من خلال نقل الأموال عبر أنفاق غزة أو استخدام العملات المشفرة لتفادي العقوبات الدولية.
لكن “حماس” التي تحكم قطاع غزة ستواجه عقبات أكثر في الوصول إلى الأموال بعد هجومها الذي أوقع مئات القتلى الإسرائيليين، ومعظمهم من المدنيين، وبعد أن ردت إسرائيل بشن أعنف قصف على غزة في الصراع القائم منذ 75 عاما.
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد قالت هذا الأسبوع إنها جمدت حسابا مصرفيا في بنك “باركليز”، قالت السلطات إنه مرتبط بجمع التمويل لـ”حماس”، وحظرت حسابات بالعملات المشفرة تُستخدم لجمع التبرعات، دون أن تحدد عدد الحسابات أو قيمة الأصول.
وألقت هذه الخطوة الضوء على شبكة مالية معقدة تدعم “حماس” وحكومتها في قطاع غزة الذي تديره منذ عام 2007. وجانب من هذه الشبكة مشروع، والأغلب مستتر إلى حد بعيد.
وقال ماثيو ليفيت، وهو مسؤول أمريكي سابق متخصص في مكافحة الإرهاب، إن القسط الأكبر من ميزانية “حماس”، التي تزيد عن 300 مليون دولار، يأتي من الضرائب على النشاط الاقتصادي ومن دول مثل إيران وقطر أو الجمعيات الخيرية.
وفي فبراير الماضي قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن “حماس” تجمع الأموال في دول خليجية أخرى وتحصل على تبرعات من فلسطينيين ومغتربين آخرين ومن جمعياتها الخيرية.
ولم يتس لـ”رويترز” الوصول إلى مسؤولين من “حماس” للتعليق على هذا التقرير. وقالت “حماس” في الماضي إن القيود المالية المفروضة على مانحيها هي محاولة لوأد المقاومة المشروعة ضد إسرائيل.
ولفت ليفيت إلى أن “حماس”، التي تصنفها الولايات المتحدة ودول مثل بريطانيا بأنها منظمة إرهابية، يتزايد استخدامها للعملات المشفرة أو بطاقات الائتمان أو الصفقات التجارية غير الحقيقية لتجنب القيود الدولية المتزايدة.
وقال توم روبنسون، المشارك في تأسيس شركة “إليبتيك” لأبحاث سلسلة كتل قواعد البيانات (بلوكتشين)، إن “”حماس” من أكثر مستخدمي العملات المشفرة نجاحا في تمويل الإرهاب”.
لكن الحركة أكدت هذا العام أنها ستتوقف عن نشاط العملات المشفرة بعد سلسلة خسائر. ويجعل نظام دفتر حسابات العملات المشفرة من الممكن تتبع مثل هذه المعاملات.
وذكر باحثون في سلسلة كتل قواعد البيانات في شركة “تي. آر. إم لابس” هذا الأسبوع، في مذكرة بحثية، أن جمع التبرعات بالعملات المشفرة زاد سابقا في أعقاب جولات عنف تورطت فيها “حماس”.
وقالت “تي. آر. إم لابس” إنه بعد صراع في مايو 2021 تلقت حسابات للعملات المشفرة تسيطر عليها “حماس” تناهز أكثر من 400 ألف دولار، مشيرة إلى أنه منذ أعمال العنف التي وقعت مطلع الأسبوع الماضي، نقلت مجموعات دعم بارزة مرتبطة بـ”حماس” بضعة آلاف من الدولارات فقط من خلال التشفير.
وأضافت الشركة أن “أحد الأسباب المرجحة لانخفاض حجم التبرعات هو أن السلطات الإسرائيلية تستهدفهم على الفور”، وأن إسرائيل صادرت عملات مشفرة “بعشرات الملايين من الدولارات” من حسابات مرتبطة بـ”حماس” في السنوات القليلة الماضية.
وفي الفترة ما بين ديسمبر 2021 وأبريل من هذا العام صادرت إسرائيل نحو 190 حسابا مشفرا قالت إنها مرتبطة بـ”حماس”.
معاملات شحن وشركات صورية
عثر حلفاء “حماس” على سبل لتوصيل النقود إلى غزة، سواء كان ذلك عبر العملات المشفرة أو وسائل أخرى. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إيران تقدم ما يصل إلى 100 مليون دولار سنويا دعما للجماعات الفلسطينية، من بينها “حماس”. وأشارت إلى طرائق تحويل النقود عبر شركات صورية ومعاملات الشحن والمعادن النفيسة.
ولم ترد السلطات الإيرانية على طلب للتعليق.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن “حماس” كانت قد أنشأت شبكة سرية من الشركات بحلول العام الماضي تدير استثمارات حجمها 500 مليون دولار في شركات من تركيا إلى السعودية. وأعلنت الوزارة عن توقيع عقوبات على تلك الشركات في مايو 2022.
ودأبت إسرائيل على اتهام حكام إيران الدينيين بتأجيج العنف من خلال إمداد “حماس” بالأسلحة. وتقول طهران، التي لا تعترف بوجود إسرائيل، إنها تقدم الدعم المعنوي والمادي لـ”حماس”.
ودعم القضية الفلسطينية من دعائم الجمهورية الإسلامية منذ ثورة 1979، ووسيلة لتقديم إيران نفسها بأنها زعيمة للعالم الإسلامي.
ودفعت قطر أيضا مئات الملايين من الدولارات لغزة منذ 2014، وفي مرحلة ما كانت تنفق 30 مليون دولار شهريا للمساعدة في تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، ودعم الأسر الفقيرة والموظفين في الحكومة التي تديرها “حماس”.
وقال مسؤول قطري، ردا على طلب للحكومة من أجل التعليق، إن “المساعدات القطرية توفر 100 دولار للأسر الفلسطينية الأكثر فقرا، وتمدد فترة تشغيل الكهرباء خلال اليوم في غزة”، مضيفا أن ذلك “ساعد في الحفاظ على الاستقرار وجودة المعيشة… للأسر الفلسطينية”.
وتنتهج قطر في سياستها الخارجية نهجا متقلبا، إذ توجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، وتستضيف أيضا “طالبان” وجماعات أخرى، وغالبا ما يسمح لها ذلك بالوساطة.
قواعد نقدية
وقال مصدر مطلع على سير عملية التمويل إن تمويل قطر لغزة يمر في الواقع عبر إسرائيل.
وتُحوّل الأموال إلكترونيا من قطر إلى إسرائيل. ويحمل مسؤولون إسرائيليون ومسؤولون بالأمم المتحدة النقود عبر الحدود إلى غزة.
وتُوزّع النقود مباشرة على الأسر الفقيرة والموظفين الحكوميين في غزة. ولا بد لكل أسرة أو فرد التوقيع أمام اسمه لإثبات تلقيه النقود. وتُرسل نسخة من تلك اللائحة إلى إسرائيل وأخرى إلى الأمم المتحدة وثالثة إلى قطر.
وقال المسؤول بالحكومة القطرية إن “المساعدات القطرية لقطاع غزة تُنسق بالكامل مع إسرائيل والأمم المتحدة والولايات المتحدة”.
واشترت قطر في الأعوام القليلة الماضية الوقود من إسرائيل لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة. وأرسلت أيضا الوقود المصري، الذي يمكن لـ”حماس” إعادة بيعه والاستعانة بمكسبه في دفع الرواتب.
وتوقع ستيفن رايمر من المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن المحاولات الحديثة للحيلولة دون وصول الحركة إلى قنوات التمويل الرسمية ستحقق نجاحا محدودا. وأضاف “نمت أساليبهم التمويلية بشكل يمكنهم من التحايل على هذه (القيود)”.
المصدر: وكالات