في وقت مازال التخوف قائما من موجة تضخمية جديدة تجتاح المغرب بعد انتهاء شهر رمضان، تتواتر التحليلات والتوقعات الاقتصادية والمالية بشأن التضخم وكيفية احتوائه من قبل الحكومة وبنك المغرب، باعتباره مسؤولا عن السياسة النقدية، إذ سلطت شركة الوساطة في البورصة “صوجي كابيتال بورصة”، الفرع التابع للشركة العامة المغرب، الضوء على الظاهرة منذ تفشيها بالمملكة، وكيفية تعاطي السلطات معها خلال الفترة الماضية.
وفصلت شركة البورصة في تقرير أعدته ما اعتبرتها “إستراتيجية متعددة الأبعاد” اعتمدها المغرب في مواجهة التضخم، مؤكدة أن المملكة تمثل نموذجا يجب اتباعه في مواجهة الأزمة التضخمية العالمية، ففي وقت تكافح العديد من البلدان للسيطرة على معدلات التضخم نجحت الحكومة في بلوغ هذه الغاية، بشكل أسرع وتكلفة أقل.
ويعزى هذا النجاح، حسب التقرير الجديد، إلى مزيج من العوامل الطبيعية والتدابير الحكومية المتنوعة والسياسة النقدية الفعالة، مشيرا إلى أن التضخم في المغرب بدأ بقوة ووصل إلى ذروته، كما حدث في العديد من البلدان الأخرى، قبل أن يدخل في مسار تراجعي، إلى حين الاستقرار في المرحلة الحالية، التي سماها الخبراء “الركود التضخمي”.
التضخم المستورد
حسب تقرير “صوجي كابيتال بورصة” فالمغرب نجح في صد موجة تضخمية شرسة، إذ أدت عوامل الجفاف واختلالات سوق الشغل في المملكة إلى سلسلة من زيادات التضخم وصعوبات الحفاظ على استقرار الأجور، لكن الحكومة راهنت على الاستفادة من ميزة فريدة لصالح البلاد، همت تنوع سلة استهلاك المواطنين، ذلك أن 22 في المائة من المنتجات التي تشتريها الأسر تتمتع بأسعار “ثابتة” أو مدعومة من قبل الدولة، ما ساهم في التخفيف من صدمة التضخم المستورد.
وأكد رشيد قصور، خبير في المالية العمومية، تعليقا على مضامين التقرير الجديد، على أهمية الخطوات الاستعجالية التي اتخذتها الحكومة في مواجهة التضخم، إذ كانت حاسمة في بلوغه المعدل الحالي، موضحا أنها عمدت في إطار مواجهة ارتفاع الأسعار وضمان قدرة المواطنين الشرائية إلى توزيع الدعم المباشر على الفلاحين، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة على المنتجات البترولية، وكذا تقييد تصدير بعض المنتجات، دون إغفال الإجراء المهم المرتبط بمكافحة المضاربة في الأسعار والاحتكار.
وأضاف قصور، لهسبريس، أن “هذا النهج النشط والواقعي للحكومة أظهر إصرارها على حماية المصالح الاقتصادية للمواطنين، والحفاظ على الاستقرار، في سياق اقتصادي عالمي مشوب بعدم اليقين”، إلا أنه عاد ليحذر من غلاء ما بعد رمضان من خلال موجة تضخمية جديدة، “في حال تفاقم التوترات الجيوسياسية العالمية، واستمرار الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين من خلال الارتفاع المتصاعد للأسعار، خصوصا المرتبطة بالسلع الاستهلاكية، واستمرار الأجور عند مستواها الحالي، الذي لا يمكنه مقاومة إكراهات الظرفية الاقتصادية الراهنة”.
العملة الوطنية
شدد التقرير الصادر عن شركة الوساطة في البورصة على أهمية سلسلة القرارات التي اتخذها بنك المغرب بشأن رفع معدل الفائدة الرئيسي من أجل كبح تطور التضخم، وأثارت جدلا واسعا حينها، بسبب تأثيرها السلبي المفترض على الولوج إلى التمويل والاقتراض، موضحا أن “هذا الاختيار الإستراتيجي حقق نجاحا مهما، بفضل التحول السلس في السياسة النقدية نحو أسعار الفائدة وسوق الصرف، ما ساهم في استقرار أسعار الواردات؛ فيما اعتمد البنك المركزي على نهج مدروس، تجنب فيه الاندفاع في زيادة معدل الفائدة، إذ ظل عند 150 نقطة على الأساس، وهو ما يعادل معدل فائدة مباشر بنسبة 3%”.
وبالنسبة إلى محمد أمين الحسني، خبير في الاقتصاد التطبيقي، فإن “تأثير معدلات الفائدة المرتفعة المتمثل في تقليص كبح وتيرة التمويل والائتمان مازال في حاجة إلى مزيد من التوضيح، خصوصا أن قرارات بنك المغرب ساهمت بخلاف التوقعات، الصادرة عن أرباب المقاولات، في انخفاض التضخم؛ فيما حصنت هذه السياسة النقدية العملة الوطنية وحافظت على قيمتها الفعلية، ما خفف من تأثير فاتورة الاستيراد، رغم اخفاض أسعار السلع الأولية في 2023″، مشددا على أن “التوقعات تشير إلى استقرار معدل الفائدة الرئيسي خلال ما تبقى من أشهر السنة الجارية”.
واستند الحسني في توقعاته إلى المؤشرات الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بشأن تطور التضخم، مع تحقيق معدل بلغ 2.3% في فبراير الماضي، ما يؤكد المسار التراجعي لهذا المؤشر، رغم التوقعات المقلقة الصادرة عن بنك المغرب بشأن الموسم الفلاحي، التي تشير إلى 25 مليون قنطار فقط، مشددا على أن “التضخم يتكون من مجموعة مؤشرات فرعية تعتبر أسعار المواد الغذائية جزءا منها، فيما تراهن الحكومة على تكثيف الدعم خلال الفترة المقبلة للفلاحين وتقوية القدرة الشرائية للمواطنين، مع المحافظة على توازنات المالية العمومية، بما يستجيب لشروط الائتمان المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي”.
المصدر: وكالات