أكد تقرير من إعداد “المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية” أن “تصورات المجتمع المغربي للثقافة ومختلف تعبيراتها ورموزها تنعكس بالضرورة على مختلف مستويات الحياة والعلاقات الاجتماعية، وتؤثر في طرق النظر إلى المؤسسات وأنماط اشتغالها”، مبرزا أن “هذه التصورات هي الأكثر رواجا للثقافة داخل المجتمع والأكثر رسوخا في الأذهان، وقد أنتجت خصاصا ملموسا في الثقافة والمعرفة، وانفصاماً بين الخطاب الرسمي حول الثقافة وبين الانشغالات الواقعية للشباب المغربي”.
التقرير، الذي أشرف على إعداده وتنسيقه كل من حسام هاب ويونس الكلاخي، أوضح أن “المجتمع المغربي مازال ينظر للثقافة بوصفها ‘ترفا فكريا’ وقطاعا ثانويا، لا يملك ما يلزم من الأهمية لجعله مكونا مؤسسا وقاعدة لتشكيل التمثلات وأنماط السلوك والأحكام والأذواق”، بالإضافة إلى “التعامل المحدود مع الثقافة من زاوية اعتبارها قطاعا مخصوصا ومنحصرا في التراث، واختزالها في إطار ‘شبه فولكلوري’، وفي مجال رمزي وتاريخي ضيق”، وكذلك “سيطرة الهاجس الهوياتي باسم الدين، أو التاريخ أو اللغة، أو الجغرافيا، في النظر إلى الثقافة، والاستثمار الجزئي والمحدود جدا في مجالات التعبير الثقافية الحديثة”.
كما مازال هناك “توجه مبالغ فيه للمركز وإهمال الأطراف والجهات، ما خلق تفاوتات كبرى على صعيد الاستثمارات الثقافية على تواضعها، أو توسيع دائرة استعمال التكنولوجيات الحديثة”؛ ناهيك عن “غلبة التّصور التقني الضيق على السياسات في المجال الثّقافي، واستبعاد مستلزمات التقعيد الثقافي العصري في وضع الخطط وتنفيذ السياسات المتعلقة بالتعليم، الشباب، إعداد التراب، وبناء أماكن العيش”، وفق المصدر ذاته.
المشكل أن هذه التصورات، وفق التقرير الموسوم بـ”موقع الشباب في السياسات الثقافية بالمغرب: رصد وتقييم”، ساهمت “في بروز تمثلات سلبية للثقافة تجلت في ضعف الاستثمار العمومي في هذا الحقل، في وقت يفترض أن حضور الهوية الوطنية بأبعادها وروافدها وتنوعها الثقافي والحضاري في الدستور المغربي كان يجب أن يخلق وعيا جديدا بأهمية المسألة الثقافية في السياسات العمومية، وبأدوارها في إدماج الشباب في الحياة العامة كما في التماسك الوطني”.
ودفعت هذه “التمثلات السلبية للثقافة” الباحثين والفاعلين في الحقل الثقافي إلى طرح تساؤل جوهري: “هل هناك سياسة ثقافية عمومية في المغرب تمتلك شروط ووسائل جذب الشباب إلى برامجها، وتيسر لهم ولوج استعمال خدماتها وعروضها؟”، بحسب الوثيقة ذاتها، موضحة أنه “من المعروف أن هناك برامج عمومية تضعها وتنفذها قطاعات حكومية معنية بقضايا الشباب، كما تقوم بتوفير بنيات تحتية على قلتها موجهة بالأساس إلى الشباب، إلا أن هناك تباينا واضحا بين العرض والاحتياجات الكبيرة لهذه الفئة من المنتج الثقافي”.
وانطلاقا من اللقاءات التشاورية الجهوية التي نظمها المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، بشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، بثلاث جهات: درعة – تافيلالت، مراكش – آسفي، فاس – مكناس، بهدف تشخيص آليات وفرص الإدماج الثقافي للشباب خلال ورشات العمل مع المشاركات والمشاركين، فإن الإكراهات التي تعيق الإدماج الثقافي للشباب جرى تحديدها في “غياب العدالة المجالية في توزيع البنات التحتية الثقافية بالجهات، وضعف تكوين وتأطير الأطر العاملة بالمراكز الثقافية والسوسيو- تربوية، وأيضا الهشاشة السوسيو-اقتصادية للشباب؛ فضلا عن البيروقراطية وتعقيد المساطر الإدارية للولوج إلى المرافق الثقافية والفنية، وضعف الميزانية المالية الموجهة لدعم المشاريع والبرامج والجمعيات الثقافية؛ إضافة إلى غياب مواكبة ومتابعة وتقييم المشاريع والبرامج الممولة، وكذلك ضعف التجهيزات اللوجستيكية بالمؤسسات الحاضنة للأنشطة الثقافية للشباب، وانتشار المنطق التجاري في تسويق المادة الثقافية.
وفي تعليق الباحثَين فإن “هذا التشخيص الذي قدمه الشباب والشابات، ومستوى انتظاراتهم وتطلعاتهم في المجال الثقافي، يعكس أن هذا المجال لا يحظى بالقدر الكافي من التثمين والتوجيه نحو الشباب”.
كما يتجلى الوضع، وفق التقرير سالف الذكر، في “غياب برامج موجهة للشباب على وجه الخصوص، رغم كونهم المستفيدين الرئيسيين من الثقافة”. وللتدليل على ذلك عاد الباحثان إلى البرنامج الحكومي للولاية التشريعية (2021-2016)، حيث يلاحظ أن “حضور الشباب في المحور الخاص بالثقافة، والمعنون بـ’تحسين الولوج إلى الثقافة والإعلام والنهوض بهما’، شبه منعدم ويقتصر على جملتين: ‘تشجيع الولوج للمتاحف الوطنية والخدمات الثقافية لفائدة الطلبة والتلاميذ؛ ودعم الإنتاجات الفكرية والأدبية للمؤلفين الشباب والمساهمة في إشعاعها’”.
أما في البرنامج الحكومي للولاية التشريعية (2026-2021) فيبرز التقرير أن “الشباب في المجال الثقافي يحضر بشكل ضعيف من خلال: جعل الثقافة رافعة للتنمية المجالية ولإدماج الشباب على وجه الخصوص، ودمج الرأسمال الثقافي في مؤسسات التنشئة، كالمدرسة والإعلام وأماكن العيش؛ إضافة إلى العناية بالشباب في إطار برنامج شمولي متكامل من خلال إحداث ‘جواز الشباب’ لتسهيل الاندماج والتنقل والتمكين الثقافي لهذه الفئة”.
وبالعودة إلى “مشاريع نجاعة الأداء خلال الولاية الحكومية السابقة (2021-2017)، وفي الولاية الحكومية الحالية (2026-2021)، وخاصة في الفترة ما بين 2023-2022، يلاحظ أن قطاع الثقافة يتوفر على ثلاثة برامج رئيسية: التراث الثقافي، الكتاب والقراءة العمومية، والفنون. وإذا كان معدل تحقيق التوقعات السنوية يتأرجح في حدود 70 في المائة بالنسبة لبرامج التراث الثقافي والكتاب والقراءة العمومية، إلا أنه مازال ضعيفا للغاية بالنسبة لبرنامج الفنون الذي لا يتجاوز 27 في المائة بسبب إلغاء المساعدات للعديد من مجالات الموسيقى وفنون الكوريغرافيا”، وفق المصدر ذاته.
وخلص كل من حسام هاب ويونس الكلاخي، في التقرير المنجز في إطار مشروع “الأكاديمية الشبابية للسياسات الثقافية بالمغرب”، إلى أنه “رغم الجهود الرسمية المبذولة في المجال الثقافي، وأمام قلة الموارد المالية والبشرية المخصصة للقطاع، يظل من الصعب الاستجابة بشكل كاف ومناسب لاحتياجات وانتظارات الشباب في مجال الثقافة؛ فضُعف الاستثمار العمومي في القطاع يمثل أكبر دليل على غلبة التمثلات السلبية أو الضيقة لها، في وقت يفترض الإقرار بالتنوع الثقافي وعيا جديدا بأهمية المسألة الثقافية في السياسات العمومية، وبأدوارها في إدماج الشباب في الحياة العامة كما في التماسك الوطني”.
المصدر: وكالات